رواية أنين القصب – حسن حميد
تبدو الرواية الفلسطينية، لدى البعض، مقيّدة إلى أسماء ثلاثة راحلة: جبرا إبراهيم جبرا، غسان كنفاني، إميل حبيبي. ومع أن في الانطباع الخادع ما يبرره، فالزمن لا يجود كثيراً بالمواهب المتميّزة، فإن اقتفاء آثار الكتابة الروائية الفلسطينية يبدّد ذاك الانطباع، أو يقلقه على الأقل، ذلك أن كتاباً فلسطينيين يتابعون صياغة رواياتهم، بأشكال مختلفة، ومن هؤلاء حسن حميد الذي يتسم بالدأب والمثابرة، ويتسم أكثر بالاجتهاد الكيفي، الذي يجعله يكتب رواية جديدة، وهو يستأنف كتابة رواية سابقة، محاذراً الوقوع في تراكمٍ كميّ لا جديد فيه.
وهذه الرواية «أنين القصب« آية على التجدد والمثابرة، تنطوي على حكاية فلسطينية جاءت في روايات سابقة، وتدفع بالحكاية إلى آفاق جديدة، كأن في هذه الرواية تتويجاً جميلاً لمسار حسن حميد كله. والروائي، في ما سعى إليه، ذاكرة جماعية، يتوسل حكايات مترادفة، تتناسل بيسر لطيف دون اصطناع أو تعمّل، والروائي، في ما اجتهد فيه، بانٍ للحكايات ومهندس لها، يراصفها ويربط بينها ويحوّل الأشكال الحكائية المجزوءة إلى شكل روائي، يتحدّث عن نفسه ويحدّث غيره في آن.
هذا نص جاء من الحكايات الشفهية المتناثرة وانتهى إلى حكاية كبيرة مكتوبة هي حكاية الفلسطينيين، بصيغة الجمع، الذي كان لهم مكان اختلس منهم وزمن دافئ «بدّده» الغزو الصهيوني. وإذا كان للشفهيّ جماليةٌ خاصةٌ تندثر برحيل الرواة، فإن للشفهي الذي درأت عنه الكتابة النسيان جمالية أكثر نفاذاً وعمقاً. ففي المكتوب تترافد الحكايات، ويصبح المفرد جمعاً، وتضيء كل حكاية غيرها وتستضيء بها، وفي المكتوب يتحرّر الزمن من مكانه موسّعاً الحاضر بأزمنة ماضية وقادمة. كأن حسن حميد الذي عالج الحاضر الضيّق بأزمنة منقضية يبني ذاكرة شعبه وهو يكتب رواية، ويواجه بالرواية نسياناً محتملاً، يعبث بالحكايات ويهيل التراب على أصحابها.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب