رواية أيام التراب – زهير الهيتي
اللوحات السبع، موزعة بتناسق جميل على الجدران.. أتساءل لماذا هذه اللوحات بالذات ولماذا تلك المواضيع الشائكة المقلقة التي تُثيرها؟..
هل كان جدي يشعر بالارتياح وهو يتأمل تلك المخلوقات الغريبة لماكس ارنست، التي تحاول التهام القديس انطونيوس!.. أو يتأمل “جزيرةالأموات” لبوكنر!.. أو سالومي في لوحة كارافاجيو وهي تشارك والدها في ذبح النبي يوحنا الذي يبدو مستسلماً لقدره، مضرَّجاً بدمائه على الأرض، وتحمل السلة التي ستضع فيها رأسه لترقص فيما بعد الرقصة الأشهر في التاريخ.. أين المنطق في اختيارات جدي..!
لم يخطر على بالي طرح مثل هذه الأسئلة في السابق، ولاأحد يذكر متى عُلّقت تلك اللوحات، فهي دائما موجودة وأصبحت مع مرور الوقت جزءًا من عمرنا الذي مرَّ من تحت إطاراتها المُذهَّبة وطبعت هويتنا الثقافية بملامحها. وبقي السر وراء هذه الاختيارات علامات استفهام ذهبت مع أصحابها إلى القبور. ولكني أعرف أن وجودها في حياتي هو الذي حفّزني على اختيار دراستي للفنون الجميلة، رغم معارضة أمي التي لم ترَ في تخصصيّ ما يُليق بتاريخ عائلتنا، وانتقاصاً من مكانتنا الاجتماعية. وقد منحتني دراستي للفنون التشكيلية القدرة على تحمّل قسوة وتَصحُّرالواقع والرقص بحرية في أحلام يقظتي على قمم الأعالي.. أشعر الآن أنني الحلقة الأخيرة في تاريخ هذا القصر، وتُشعرني هذه الصالة بالأمان وهذا ما أحتاج إليه حالياً.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب