رواية إني ذاهب – جان أشينوز
قال فيرّي، سأهجرك. أترك لك كل شيء، لكنني سأرحل. ولما أغضت سوزان لفرط حيرتها، شاخصة البصر إلى منشبٍ كهربائي، ترك فليكس فيرّي مفاتيحه على كونسول المدخل، ثم زرّر معطفه قبل أن يغادر مغلقاً وراءه باب المقصورة برفق. في الخارج، لم يلق فيري ولو نظرة واحدة على سيارة سوزان التي أعتم زجاجها المغبش بالبخار تحت أنوار المصابيح البلدية، وراح يسير باتجاه محطة كورنتان، سلتوت التي تبعد نحو ستمائة متر. نحو التاسعة، ليلة الأحد الأول من شهر كانون الثاني، كانت عربات المترو شبه شاغرة. ليس فيها أكثر من عشرة أنفار، وحيدين، على غرار فيري الذي صار وحدياً منذ خمس وعشرين دقيقة.
كان في الأحوال المعتادة ليغتبط إذا وجد ركناً شاغراً من مقعدين متقابلين أشبه بمصورة صغيرة له وحده، لأن هذا هو الشكل الأمثل لركوب المترو في نظره. غير أنه في تلك الليلة لم يكن حتى ليفكر في الأمر؛ كان ساهياً ولم يكن سبب انشغاله، كالمتوقع، هو فقط ما جرى بينه وبين سوزان التي يعلم أنها امرأة يصعب إرضاؤها. ولأنه توقع ردّ فعل أشدّ عنفاً، وصراخاً يتخلله الوعيد والشتائم المقذعة، شعر بارتياح، غير أن شعوره بالارتياح هذا، هو ما كان يقلقه بالذات.
كان قد وضع بجانبه حقيبة يد تحتوي خاصة على أدوات زينته وملابس داخلية، ولبث في البداية شاخص البصر أمامه، محدّقاً في لوحات إعلانية صغيرة لكسوة الأرضيات، ووكالات سفرٍ للأزواج ولنشرات عقارية. فيما بعد، بين محلّتي فوجيرار وفولونتير، فتح فيري حقيبته ليستخرج منها قائمة لتحفٍ فنية فارسية ستعرض للبيع في مزاد علني، وراح يقلب صفحاتها حتى وصوله إلى محطة “المادلين” حيث نزل”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب