رواية التدفق الهادئ لنهر أونا – فاروق شهيتش
وحده الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة قد يبرر كل أنواع الهجمات، وتحديداً حين تكون محتجزاً مطوقاً من قبل ثلاثة جيوش من الأعداء يقاتلون ضدك: الصرب البوسنيون، الصرب من منطقة نين في كرواتيا، والاستقلاليون من أبديك. لا مجال هنا للإنسانية وللنهضة، هذا ما اعتقدناه حينها، لا أذكر أن أحداً ما قد استخدم تسمية «جرائم حرب» والتي سمعتها للمرة الأولى على قناة «سي أن أن» بخصوص مخيّمي اعتقال أومارسكا وكيراتيرم، وبعدها في القصص التي كانت تنتقل عبر الهمس في الأرجاء بعد سقوط سربرنيشا.
لم يخبرنا قسم المعلومات والمعنويات في الجيش الحقيقة الكاملة حول سربرنيشا. قام الأخلاقيون كالعادة بقراءة آخر الأخبار الخاضعة للرقابة من مناطق القتال في بوسنة الشرقية.
تضمنت التقارير بعض أرقام القتلى، ولكنها لم تكن قريبة حتى من الأرقام الحقيقة التي بلغت ثمانية آلاف رجل قُتلوا بعد أن أُسروا. وضحت بالتفصيل عدد دبابات العدو وغيرها من المركبات، أسلحة المشاة الخفيفة وكمية الذخيرة التي تم الاستحواذ عليها حين فر مقاتلونا من المناطق المطوقة في سربرنيشا وزيبا واتجهوا نحو المنطقة غير المأهولة قرب توزلا، كان يفترض بذلك أن يكون مواسياً. تم تقديم سقوط سربرنيشا على أنه هزيمة عسكرية قاسية، وليس على أنه جريمة حرب، مع أنه يمكنك أن تشعر بالمرارة في الكلمات وبين الأسطر.
في مكان ما في الغرب، وُلِد هذا الكتاب لم يكن في حاجة إلى أن يكون وثيقةً كتابية فنيّة، رواية ذات حقائق دامغة – في وسعه أن يكون قراءة خفيفة حول مصاصي الدماء، لأن الأمور في عالمهم تدوم طويلاً، والعوامل الخاصة والعامة ليست عرضة لــدمـــار دوري كما هي عليه في عالم الحرب.
لذلك كان لا بدّ من تدوّين حياة كل أولئك الناس الذين عاشوا تلك الأجواء الحزينة بمخاوفهم وآمالهم وتحررهم بقلم شاهد عيان من قدامى المحاربين في الحرب البوسنية إنه الكاتب «فاروق شهيتش» الذي شهد تدمير بلاده في تسعينات القرن العشرين فكتبها رواية حيّة ومتدفقة تماماً كما هو نهر أونا الذي لايزال يستمر في التدفق.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب