رواية الحافة المطلة على العالم – أحمد الحقيل
أول مرة أذكر أنني متّ فيها كنت في العاشرة. رأيت فتاة تركَتْ طفولتهما للتو، منتوقة العنق فارعة القوام مكتملة المعالم، تمشي في الحارة، يلحقها إخوتها الصغار، وتصرخ فيهم: “أصّْ، بسّكم لعب”، وتختفي وراء شجرة السدر عند الزاوية. في الغد، لم أكن ألعب كما اعتدت، ويسألني أخواي: “وش فيك منفّس؟”، فأرد باحتقار: “لمتى تلعبون؟ بسّكم لعب”، وأراقب الزاوية، وأنا أتحيَّن، وأحاول أن أبدو مثلها وكأنني تركتُ طفولتي للتو، مرزوز الذقن متطاول القوام.
بنت اللذين، قتلتني!
عموماً، معظم الأشياء لا تعيش أكثر من عمر الذبابة. اللحظة تموت بانصرامها، واللذة بانطفائها، والنزوة بتقلص إلحاحها، والأحلام بانكسار مجاديفها، والنفس بتقلب مزاجها.
ينام الإنسان شخصاً، ويستيقظ شخصاً آخر. كل الأمجاد التي بُنيتْ، والخيبات التي استحكمتْ قد تمسحها غمضةُ عين وانعدامُ وجود، لتصحو مجرَّدًا من المجد الذي بَنيت، محررًا من الخيبة التي حَصدْت.
يجلس “النعمان السائحُ” ملكاً على شرفة المطلّ على معالم عظمته الحاثَّة إلى الفناء، ليستيقظ هائماً على وجهه وقد خلَّف مُلكه واختفى أثراً بعد عين. ويتزمّل “محمد بن عبدالله” وكيلاً لتجارة زوجته بأغطية فراشه مرعوباً من هول ما رآه مغلولاً بثقل غربته التي أسهرته هائماً على وجهه في الفيافي، ليستيقظ رسولاً.
ينام الإنسان شخصاً، والنوم ميتة صغرى، ويستيقظ شخصاً آخر.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب



