رواية الخلعاء – خليل النعيمي
“وانتابتني فجأة نوبة من الضحك الهستيري الخبيث، وتمزّق الليل بقهقهاتي المتوالية بصخب وعنف وعبر هدير السيارة الراكضة بجنون في ذلك الظلام ظلام الليلة الأخيرة تلك حاولت تلقّف الصدى النابع من القاع ولم يصلني غير الضجيج الأخفت الملجوم وبحميّة مستشاره غيّرت الحسّ والنبرة والإرسال وبأقسى أصواتي وأكثرها حميمية بدأت أنادي في ذلك الفضاء المغلق هيه هيه يا أهل الشام. وجاءني الصدى خافتاً مكبوتاً مشوّش اللفظ والكلمات حتى أنني لم أستطع أن أميّز صوتي مِنْ لا صوتي. كان كل شيء يختلط ويصير دماراً وأردت أن أتأكد من أنني صمت فعلاً منذ قليل تلك الصيحة العفوية المستغيثة التي عبرتني كما يعبر الضوء سطح الماء فأعدتها من جديد صائماً بكل قلبي هيه هيه يا أهل الشام وكأنك أحسست بأن نهايتها تقترب باقترابنا المستمد من البحر جامدة، ولكنك مستثارة بعمق ونوع من التشاؤم المخيف بلون قسماتك بالأحر والأسود يشلّ حيويتك وانسجامك اللذين ناضلت طول الطريق للحفاظ على بعض سماتها، وعندما اطمأنت نفسي إلى استسلامك المفاجئ وانهيارك القريب قمت أصيح في الجو صيحة طليقة علّها تروح رأساً إلى هناك ولكي أفعلها خفضت زجاج النافذة ومددت رأسي خارجاً وحاولت أن أرى الفضاء قبل أن أصيح من جديد بأعلى صوتي وأشدّها جهراً هيه هيه يا أهل الشام يا أهل الشام…”.
تركض معه، وكقارئ، في تجواله عبر أمسه، عبر مأساته دون أن توقفك فاصلة أو نقطة حيث تتابع العبرات مستعجلة الحدث ومستثيرة المعنى دون توقف. ومن رحم الحلم تسطع الفكرة، ومن قلب المعاني تبرز المأساة التي عاشها صاحب الأحداث، تحزن لحزنه وهو يقول مخاطباً من كان يغرق في حبها: “تريدين أن تحرمينني حتى من مخيلتي وتبيّن لي مدى بؤس الحياة التي أحياها ومدى خلوّها من كل ممتع ولذيذ فلن أرى بعد اليوم وجهه الصغير، وجه ولدي الذي حميته بكياني ورعيته ورعاني ووهبته حبي كله بعد أن دفنته في أرض الشام”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب