رواية الربيع والخريف – حنا مينه
وفي إحدى الأمسيات، حين دخل كرم باب البناية، بثياب العمل، والغبار والسخام على وجهه وعنقه ويديه، استوقفته البوابة، قالت له: “تعال، ثمة من ينتظرك عندي”. استمهلها أن يغتسل ويعود، لكنها أصرت على أن يرى من ينتظره من فوره. وعندما أطل من الباب، اضطرب للمفاجأة، كانت هذه أيرجكا! ارتبك، مسح يديه على جنبي بنطاله قبل أن يصافحها، لكن أيرجكا صاحت: لا تخجل… لا تمسح يديك.. أنت الآن كرم الحقيقي، كرم الذي ترك القلم، وترك المتحف، وذهب ليعمل في البناء، لأجل شيء عزيز، عزيز، كأكثر ما في الوجود. اعتذر عن دعوتها إلى بيته، كل شيء فوضى قال لها. وعدها أن يزورها، لكنه لم يف بالوعد. كان يتفادى المواقف الدراماتيكية، ولا يسمح أيما عاطفة أن تثنيه عما اعتزم. مذلك لم يهتف إلى بيروشكا. لم يخبرها بموعد سفره. آثر أن يكون الوداع بغير دموع، وفي نهاية الأيام العشرة، المحددة للعمل، تفرغ لتوضيب ما تبقى من أشيائه، وشحنها، بمساعدة اليوش، بحراً، وقطع تذكرة سفر بالطائرة، ولم يأخذ معه سوى حقيبة واحدة، ولم يقبل، بعناد أن تقام له حفلة وداع. قال: شكراً لكل شيء، لكل العواطف، شكراً يا جورج، ويا جميل، وضياء، وحسن، وفهمي، وشكراً لكم جميعاً.. أضاف مازحاً: انتهت دراستي، صحيم أنني لا أعود بشهادة علمية، لكنني أعود بتجربة.. هناك، ربما، سأجد بعض المتاعب، بعض المصاعب، لكن الغربة أقسى من كل شيء,, إنني كنت سعيداً هنا. كنت سعيداً معكم، ولكنني، وبرغم كل الظروف، سأكون سعيداً في الوطن أكثر.. هناك أرضي وبيتي هناك أهلي، وهناك أكتب.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب