رواية الطاووس الأسود – حامد الناظر
لا يمكنه الآن إلقاء اللوم على أحد، كما لا يمكنه حتى لوم نفسه. لقد حدث كل شيء لأنه كان ينبغي له أن يحدث. كانت روحًا سوداء تلك التي سكنتْ آدم، لا يمكنه الآن تغريبها أو تحميلها كل ما جرى، كما لا يمكنه القطيعة معها على نحو تام. إنها أول روح أمسكتْ بقرنيْ الثور ثم أخضعت بقية القطيع على نحوٍ مذهل، هكذا بدا له الأمر في وقته. أما الآن فإنه لن يستطيع أن ينسى، ولن يستطيع أن يسامح، لكنه سيحاول أن يتفهم. إنه مثلهم، ولد وحول سُرّته البارزة وحمة سوداء عظيمة، تحيط بها إحاطة الخاتم بالإصبع، لكن أحدًا منهم لم يرها. هو وحده من جعل لوجودها مغزىً وتفسيرًا، ثم راح يتصرف وفقًا لما أدركه.
كانت كيمياءً معقدة تتفاعل وفق منطقها الخاص. إختارت أن ترشحه لذلك الدور الغريب، إختارت أن تضعه في الواجهة وتتوارى خلف صورته الهادئة. كانت روح الطفل تعجزه عن إدراك أشياء كثيرة تحدث أمامه وخلفه، تبدو كما لو أنها تحدث في عالمٍ آخر، لكن ما يخصه منها ظلّ في متناول وعيه تمامًا. لن يصدق أحدٌ أن آدم كان يعرف عن نفسه أشياء كثيرة حتى قبل أن يولد بوقتٍ طويل. إنه اختار أشياء كثيرة، منها لحظة ميلاده والحيز الذي يود أن يشغله في التاريخ، اختار أبويه أيضًا، وشارك على نحوٍ ما في تشكيل مصيره ومصيرهما، لكن هل سارت الأمور كما اشتهى أو أراد؟
من الأشياء الغريبة -التي يتذكرها آدم- اللحظة التي اخترقت فيها دودةُ أبيه بيضةَ أمه، ثم نشأ منهما في تلك الغرفة المعتمة. هل سيقول إنه هو الذي جمع بينهما، واختار تلك الدودة اللعينة من بين ملايين الديدان التي كانت تسبح في العتمة؟ هل سيقول إنه رأى ذلك الشبح الذي رسم حول سرته وحمةً سوداء ومضى دون أن يرى وجهه؟ هل سيقول إنه كان يخطط من تلك اللحظة أن يصنع بنفسه لنفسه بعض ما يتمتع به الآخرون من جهلٍ وحكمة، ونزقٍ ومجد؟ وإنه ولد وفي يده مفاتيح الأشياء؟ ولذلك كله بكى وضحك، وقتل وانتقم، وغفر وراوغ، وفعل ما لم يخطر ببال أحد؟! لن يستطيع أن يقول ذلك، لكنه سيقول إن الله وضع في روحه موهبة عظيمة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب