رواية الفهد – ج.ت. لامبيدوزا
تدور أحداث الرواية، حوالى عام 1860 أي في الوقت الذي كان فيه غاريبالدي (موحد إيطاليا) وجنوده من «أصحاب القمصان الحمر» ينزلون في جزيرة صقلية، لكي يقلبوا ملكية آل بوربون الحاكمين انطلاقاً من نابولي، والنظام القديم كله.
وقبل ذلك بعام، كان التدخل الفرنسي مناصرةً لمملكة بيمونتي في الشمال، قد أرغم النمسويين المحتلين على الانسحاب من أجزاء كثيرة من وسط إيطاليا وشمالها. وهذه الأحداث الكبيرة والانعطافية في تاريخ إيطاليا الحديث، تقدم إلينا هنا من خلال أسرة النبلاء بزعامة الأمير سالينا، تلك الأسرة التي تمثل هنا الطبقة الإقطاعية التي كانت تسيطر على مثل تلك المناطق في إيطاليا، مكونة بأخلاقياتها وثقافاتها جوهر «العالم القديم» الذي يأتي الآن أنصار غاريبالدي لتدميره، ولينشئوا على أنقاضه عالماً جديداً. وإذ تصوّر لنا هذه الرواية، في شكل جيد، خيانة القادمين الجدد لروح البعث، تقدم لنا من خلال ذلك التناحر الذي تصوّره بين الأمير سالينا، القابع في قصره الفخم محاطاً بآله وأنصاره يراقب حزيناً، ما يحدث، وبين تانكريدو الشاب، ابن أخيه الذي كان تحمّس في شكل مفرط لأصحاب القمصان الحمر وحارب معهم قبل ان يورده ذلك موارد الإفلاس، فينضمّ الى الجيش البيمونتي الشمالي، مندمجاً في العالم الجديد ونظامه.
وتعبيراً عن هذا، ها هو تانكريدو يستعد للاقتران بآنجيليكا، الثرية التي لا تاريخ لها، فهي ليست، في الأصل، أكثر من ابنة فلاح جعلته الظروف الجديدة ثرياً. وتانكريدو في سبيل هذه الزيجة (التي تجمع، رمزياً، بين الأرستقراطية الهابطة وبورجوازية الأثرياء الجدد الصاعدة) يتخلى عن مشروع قديم لزواجه من كونتشيتا، ابنة الأمير سالينا التي ترمز مثل أبيها، الى الماضي، الى المجتمع الذي يحتضر الآن. ومن أجل التعبير عن هذا كله، يشكل حفل راقص (هو حفل يهيئ لاحتفالات زواج تانكريدو من أنجيليكا) مركز الثقل في الرواية (وهو في فيلم فيسكونتي يستغرق 45 دقيقة، هي ثلث مدة الفيلم).
فهذا الاحتفال إنما هو التعبير الأوفى عن ولادة العالم الجديد: فدون كاليجورو، والد أنجيليكا، المزارع الذي أثرته الظروف الجديدة، يُدعى بدوره بالطبع، الى المشاركة في حفل يقام في قصر، ما كان أبناء جلدته يحلمون بدخوله سوى خدم في الماضي. أما الآن، فإنه موضع تكريم، ولا يهم هنا أن يقوم الكولونيل بالافنشينو، بالتحدث أمام الأرستقراطيين المحتفلين وضيوفهم، عن الطريقة التي تمكن بها من وقف زحف الغاريبالديين.
فالمهم ليس هنا، المهم هو تصوير الرواية الزمن الذي يمرّ مسرعاً، والشيخوخة التي تدبّ في أوصال طبقة بأسرها. ولسنا في حاجة الى القول هنا كيف أن دي لامبيدوزا، في الرواية، وفيسكونتي في الفيلم، يتعاطفان مع الأمير سالينا، الذي يرقب هادئاً، مرور الزمن وسقوط طبقته وقيمها، ومجيء عالم جديد هو عالم التقدم بكل ما لديه من ابتذال.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب
يا إلهي! شكرًا جزيل لرفعكم الرواية ومدى قيمتها
بسبب ندرتها وعدم توفرها حتى في معرض الكتاب!!