رواية القلب صياد وحيد – كارسن مكولرز
يمكن لقطاع كبير من روائيي النصف الثاني من القرن العشرين في أمريكا، أن يقول إنه جيل خرج من «قلب» كارسن مكولرز وتحديداً من روايتها الأولى والكبرى «القلب صياد وحيد»، الرواية التي صنعت للأدب الأميركي ما تصنعه الإبداعات الرائدة في كل مكان في العالم.
رسمت كارسون ماكالرز معالم الحياة الريفية الرتيبة في روايتها من خلال علاقة صداقة تقوم، خصوصاً، بين مجموعة من الرفاق الذين لا يجمع، في الأساس، أي جامع بينهم. فهناك أولاً الصبية مايك كيلي، ذات الرابعة عشرة، والتي قد ينم طول قامتها وغرقها الدائم في التأمل والتفكير عما يزيد كثيراً عن تلك السن. مايك، انطلاقاً من هذا تبدو، كما قلنا، متأرجحة بين الأعمار والجنسين. وغارقة في شكل دائم في أحلام تنتمي إلى البعيد. ومايك تلتقي في شكل دائم، وعلى رغم ممانعة أهلها، جاك بلاونت، السكير الأبدي الذي يمضي جل وقته في مقهى برانون. وإلى جاك هذا، هناك الدكتور كوبلاند الطبيب الأسود الذي تعلّم في الشمال لكنه عاد إلى الجنوب إذ رأى من واجبه أن يساعد أبناء جلدته السود في تلك البلدة. أما محور هذه الحلقة فهو الأصم الأبكم جون سنغر، الطويل النحيل، الذي لأنه لا يمكنه أن يتحدث عما يقال له، بل لا يمكنه أصلاً أن يسمعه، يصبح أشبه بكرسي اعتراف بالنسبة إلى أصدقائه. وهذا الواقع هو الذي يعطي الرواية إيقاعها، بل حتى شكلها الأدبي. ذلك أن كارسون قسمت الرواية فصولاً، يكاد كل واحد منها أن يكون كرسي الاعتراف لواحدة من الشخصيات. إذ تشكل مناجاة كل شخصية، في حضرة سنغر الذي يقال كل شيء أمامه، جزءاً من هذا العمل، لكنه جزء يشتغل، من ناحية على كشف وحدة كل شخصية وأمنياتها غير المتحققة، واللاتواصل بين شتى الشخصيات، لكنه يشتغل من ناحية ثانية، على مراكمة نفسية عنيفة داخل جون سنغر نفسه. فهو بدوره، لديه أمور كثيرة قد يحب أن يقولها. ويزداد شعوره في كل لحظة، بعجزه عن إيصال ما يعتمل في داخله، بسبب بكمه وفقدانه السمع. ومن هنا تتراكم مخاوفه وآلامه متصاعدة حتى لحظة الانفجار.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب