رواية المراهق – دوستويفسكي
“المراهقة” التي لا يتورع الكثيرون منا على وصفها بأقدح النعوت، وبالتالي تنسحب هذه النعوت على الأشخاص الذين يعيشونها، كانت (أي المراهقة) موضوعا للأدب والأعمال الإبداعية الكبرى، دون الحديث عن التصنيفات الأخرى المغرضة والتي تصف أنواعا إبداعية بعينها بأنها “أدب مراهقين” أو “أغاني مراهقين” على اعتبار أن هذه الأعمال هي نتاج مراهقين أو موجهة إليهم فقط، رغم أنه ليس عيبا أن تفرز مرحلة عمرية للإنسان نسقها الإبداعي الخاص.
أنواع الأدب التي نتحدث عنها الآن في هذا المقام، لم تكن نتاجا لمبدعين مراهقين، بل أبدعها أدباء كبار رأوا في هذه المرحلة العمرية ما يستحق أن تخلده أعمال روائية كبرى، وأبرز مثال على ذلك رواية “المراهق” للأديب الروسي الشهير “فيودور دوستويفسكي”، وهي الرواية التي حررها في أزيد من ألف صفحة موزعة على جزئين.
والرواية تشكل واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي أفرزها القرن التاسع عشر وصور فيها “دوستويفسكي” بدقة الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لروسيا خلال هذه المرحلة، التي لم يتردد في نعتها ب”المظلمة” ناقلا عبر فصولها الواقع المأساوي الذي عاشته روسيا حينها.
واختار “دوستويفسكي” شخصية “مراهق” ليقدم من خلاله رؤيته الخاصة لروسيا التي كان يعيش فيها ومتأثرا بما كان يعتريها من مشاكل، فقدم من خلال الشخصية الرئيسية في الرواية نموذجا لشاب امتلك الشجاعة والعناد والمثابرة والتحدي، بما في ذلك التمرد على العلاقات الاجتماعية السائدة والتي كان يحتقرها ويفضل بدلا عنها العزلة، فيقول على لسان الشخصية الرئيسية في الرواية “إن الفائدة التي جنيتها من قطعي للعلاقات الإنسانية هو الاستقلال وهدوء البال ووضوح الهدف”.
ف”المراهق” في راوية الأديب الروسي كان أيضا مثالا لفتى مثقل بآماله وطموحاته في أن ينجح في حياته، وتختلط فيه مشاعر متناقضة تتراوح بين الاعتراف والإنكار تجاه الوالدين والعائلة والمحيط القريب.
ويتتبع “دوستويفسكي” في روايته الصراعات التي يعيشها فتاه مع عائلته ومحيطه الذي يسعى إلى التمرد عليه، فيقرر أن يصبح غنيا مثل “روتشيلد” فيتنكر لعائلته التي يرى أنها لم تقدم له شيئا، فينسلخ عن طبقته الاجتماعية ويمضي في نسج علاقات مع طبقة الأغنياء والأمراء.
ومن أقوى الفقرات التي يلخص فيها “دوستويفسكي” فلسفته في هذه الرواية هي التي قال فيها “إنك تحلم بحياة لها دويّ، تحلم أن تحرق لا أدري ماذا، وأن تمزّق لا أدري ماذاً، أن تسمو فوق روسيا كلها، أن تمرّ مرور سحابة ساطعة، أن تغرق العالم كله في الخوف والإعجاب، لذلك أرى من المفيد أن أحذّرك لأني أحمل لك عاطفة صادقة”.
تذكر أنك حملت هذه الرواية من موقع قهوة 8 غرب
لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا