رواية المسكوبية – أسامة العيسة
يتعرض الراوي الثاني لشتى أصناف التعذيب من الضرب والشبح أي الوقوف في ساحة لساعات وقد غُطي رأسه بكيس من الخيش مبلل بالبول، والتعرية، والطعام الملوث بالأوساخ… حتى يكاد السجين يصبح غريباً عن نفسه لا يتعرف إلى صورته في المرآة. وتبرز المرآة التي تواجه الراوي في زنزانته كرمز للتغريبة التي تفرض عليه. وقد صرح منذ بداية الرواية أنه يبحث عن مرآة ليرى فيها التغير الحاصل على شكله. وعندما يقف في مواجهتها في الزنزانة، لا يتعرف إلى نفسه، فالمرآة القديمة مدببة تشوه الشكل المنعكس فيها وهو لا يشبه الصورة التي اعتادها بسبب الشعر الأشعث واللحية التي نمت والأوساخ التي تغطي وجهه… «كل ذلك يجعل السجين في حيرة مع هذا الوجه الجديد عليه هل هو وجهه فعلاً أم وجه آخر ركب له دون أن يدري؟» ترمز المرآة الموجودة في الزنزانة إلى خطورة الاعتقال الذي يشوه نظرة الشخص إلى نفسه.
يتكلم العالم النفسي لاكان عن «مرحلة المرآة»، حيث يتعرف الطفل، عبر انعكاس صورته في المرآة على نفسه ويدرك أن جسده هو وحدة وظيفية يشار إليها بضمير الأنا. ولكن مرآة المسكوبية تلعب دوراً مناقضاً لدور المرآة العادية في حياة الطفل، فتحيل الناظر إلى واقع آخر تعمل فيه على إلغاء إدراكه لهويته. وللمرآة دور آخر في حياة الطفل، متصل بالدور الأولي وهو أن اكتشاف الأنا لا يمكن إلّا أن يرتبط باكتشاف الآخر. وفي الدور المعكوس لمرآة الزنزانة يكون فقدان الأنا مرتبطاً بصورة آخر تسعى لأن تحل محل صورته.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب