رواية امرأة من هذا العصر – هيفاء بيطار
كنت أحكي والكلام يتدفق من روحي مباشرة، وأحدق في عيني لذي اللتين يزداد فيها الذهول المؤلم. كم أنا آسفة يا لؤي، لقد عكرت سلام رومل. ظل وجه لؤي ساكناً مرتشحاً بألم يمتص كلماتي، ونظراته تزداد حنواً ورقة. كنت أتشرب الحب الخام المشع من وجهه. امتلأت عيناي بالدموع، قلت له وأنا أمسح دموعه عن وجهه: كم يسعدني أنك تحبني يا لؤي، كثيراً جداً يا ماما. أتعرف يا لؤي، لم يمرّ يوم إلا ولديّ إحساس بأني أنتظرك وأنني سأواجهك بالحقيقة كما نفعل الآن. لو تعرف الليالي الطويلة التي قضيتها أبكي لبعدك وأنا أضم صورتك إلى صدري. أتعرف، أحس بأني راغبة في شكر الله لأنه ابتلاني بالسرطان كي يعود ابني إليّ. صرخ لؤي: لا يا ماما، لا تقولي هذا الكلام. انهارت مقاومتي وأخذ صوتي يرتعش فبكيت في حضن ابني. حضن لؤي هو الأمان الدافئ الذي ظللت أبحث عنه سنوات. أخذ لؤي يمسح رأسي الأصلع براحتيه، ويقبله بنهم وهو يهتف بحماسة المحب: أحبك يا ماما وسأكون معك كل جلسة علاج. لا يا حبيبي لن أسمح لك بالهروب من المدرسة بعد الآن. لكني أريد أن أكون إلى جانبك”. تقف على جراحها لترقص، لتغني أغنية الحياة. فعند مواجهتها لقدرها القاتم لم تستسلم بطلة هيفاء بيطار لليأس، لم تصب بالانهيار أو بالتلاشي الداخلي بل هي استمدت من عاطفة الحب الخالدة، عاطفة الأمومة، قوة شحنتها بمشاعر شتى منحتها قدرة على المضي قدماً إلى الحياة. ترسم الروائية أحاسيس بطلتها بدقة، وذلك من خلال منولوجات داخلية رائعة في فلسفتها وفي عمقها وفي استرسالاتها التي تخلق للقارئ مشاهد مؤثرة ومقنعة إلى حد التماهي معها. إنسانية هي هيفاء بيطار في طرحها لمواضيع هكذا حساسة، وواقعية هي في استشفافاتها موضع الألم وموضع الحب وموضع القوة وموضع الضعف عند المرأة كيف كانت تلك المرأة. وفي أي زمان وجدت حتى لو كانت امرأة من هذا العصر.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب