رواية أسفار النسيان – عمرو شعراوي
خبط فهمي الرِّيدي كفًّا بكفٍّ وهبَّ واقفًا. رفع ذراعه ولوَّح بيده ثم قال: «هل تعرف أنَّ الحقيقة ما هي إلا إعادة تركيب الواقع في الأذهان؟ ولذلك ففيها ترجيحٌ لكفَّة الماضي، وأنا للأسف ضاع مني ذلك الماضي». سألتُه عمَّا يقصد بكلامه، فشرد بعيدًا ثم ابتسم ابتسامةً واهنةً وقال: «إن كانتِ الحقيقة لا وجودَ لها إلا فيما وقع فعلًا، فما جدواها؟».هل حارب فهمي الريدي مِن أجل مَنْ جلسوا خلف مكاتبهم يتحيَّنون فرصة الاغتنام؟ أم أنه قاتَلَ لكي يتسلَّط حاكمٌ على العباد؟ أم حارَب من أجل طغيانِ تأويلٍ قديم؟ فهمي لم تغطِّ النياشينُ صدرَه ولا علا صيتُه بين أقرانه، لكنَّه عاد سالمًا لينزوي في وظيفة حكوميَّة متواضعة. يقول إنه تحمل راضيًا ما ألقته الأقدار على عاتقه. يسألُنِي عن مصير البلد وأهلها إن لم يقاوم هو ومَنْ معه ولم يصدُّوا عدوًّا عاتيًا.
أربكني سؤالُه. فأهلُ أيِّ بلدٍ يقصد؟ أيتحدَّث عمَّن أفسدوا في الأرض، أم عن الذين هاجروا من أجلِ حياةٍ مريحة، أم الذين عسَّرُوا أحوالَ العباد، أم الذين اشتهوا حلاوة التحريم، أم الذين سكتُوا ورَضُوا بقليله؟ يقول إنه حارب من أجل البسطاء من أهل هذا البلد. لكننا لم نَعُد نرى من هؤلاء البسطاء إلا قلَّةً تاهت وسط جموع المُتناحِرين، ومَنْ بقي منهم لا يشعرُ بأنه ينتمي إلى هذا الوطن أصلًا. باللهِ عليك يا فهمي مَنْ تقصد بالبُسطاء؟ هل هم من هتفوا في الميدان مطالبين بأبسط الحقوق، أم مَنْ هَوَوْا بالهِرَّاوات فوق الرؤوس؟
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب