رواية باب الغواص – محمد الشدي
من أجل الدفع في اتجاه بناء التغاير الخلاق، وحرصاً على تجديد دماء الرواية العربية، وفتح كوات جمالية في بنائها، يجترج محمد الشدّي هذه المرة مسالك مغايرة في نمط الكتابة الروائية، الهدف منها خلق فضاء نصي للحوار والتفاعل بين القارئ والنص المكتوب حيث يعمد الكاتب إلى إشراك قارئه في هموم وقضايا الكتابة عامة والرواية على وجه الخصوص – وهو ما يمكن قراءته في مقدمة الرواية تحت عنوان (ما كان كان…) لهذا تحضر في «باب الغواص» شخصية الشدّي الروائي والناقد معاً، منطلقاً من بديهية شهيرة مؤداها أن المبدع هو أول ناقد لعمله وللواقع الذي يتناوله، وخاصة حينما يرتبط الأمر بالتوجه القومي أو بالمناحي الفكرية العديدة، والتيارات الأدبية والسياسية التي سادت الوطن العربي في النصف الأول من القرن العشرين- مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده- حيث تنفتح الرواية على أفق زمكاني عاش العرب خلاله أسوأ حالة وأسوأ تاريخ، مرحلة النكسة وما يليها من أحداث، إذ يمثل بطل الرواية وهو الشاب الوافد للدراسة من “باب الغواص” في المملكة العربية السعودية إلى “القاهرة” نموذجاً للشباب الواعي لقضايا أمته والباحث خارج حدود منطقته عن حياة يتشارك فيها مع الآخرين الرأي والبحث عن الحلول التي يتم فيها صون الأوطان في ظل صراع على النفوذ بين الدول الكبرى على بلادنا بقي مستمراً حتى بعد الاستقلال؛ لذلك نجد الكاتب الشدّي يُحمل بطل روايته “محمد” همومه: “إن همومي كثيرة!! ماذا بقي.. بكيت على العرب حين مات عبد الناصر ثم توفي فيصل بن عبد العزيز فحزنت أكثر ثم فرحت حين انبثق العمل الفدائي فرحت للنصر القريب الأول وتمّ العبور حزنت لزيارة السادات إلى إسرائيل.. بكيت بكل حرقة لحصار بيروت ولمذابح صبرا وشاتيلا.
وحزنت لتلاعب ذلك الحزب بسوريا الغالية. فرح وبكاء كثير البكاء أكثر من الفرح والأحزان أشد من خوفي الدائم على أصل العرب اليمن وما زال في القلب الكثير من الجراح!” لقد اختصر محمد الشدّي في رواية (باب الغوَّاص) ماضي العرب وحاضرهم، وعالج قضايا اجتماعية، وطرح أسئلة الكتابة من داخل النص الروائي في ضوء التحولات العميقة التي تعيشها الثقافة العربية عامة، والرواية الجديدة على وجه التحديد. فاستحق عمله القراءة.
قدم للرواية بقراءة نقدية الإعلامي والكاتب اللبناني “فؤاد مطر” يقول فيها: “أن يكتب صاحب تجربة مذكراته، سياسياً كان هذا الصاحب أو دبلوماسياً أو عسكرياً أو من الذين خاضوا بالقلم والمعاناة مرحلة بالغة التعقيد والحساسية في الحياة الثقافية والفكرية، هذا أمر مألوف ولطالما أمدَّنا كثيرون بتجاربهم في مذكرات غلب الطابع الشخصي على مضامينها.
أما بالنسبة إلى المبحِر المحبِّر لـ “باب الغواص” فإنه يصوغ تجربة حياة ومجتمع ورموز في هذا المجتمع في رواية يسمو الحب فيها وتأخذ المبدئية مداها مع إضاءة كشافة على سلبيات في مجتمع طالما اقتحمت بعض التقاليد نقاءه فكانت مثل ريح عاتية أسقطت وروداً تفتحت وثماراً على أهبة النضوج. ولقد وجدتُ خاطري يستحضر وبعفوية أجواء ثلاثية كبير الروائيين العرب نجيب محفوظ وأنا أطوي الصفحة الأخيرة من هذا العمل الأدبي الذي يسجل بقلم حِبْره كتلة فياضة من الأحاسيس تجربة حياة بل لعلها تجربة زمن من أزمان مجتمعاتنا العربية، وكل ذلك من دون أن يخدش خِضم الخصوصية أو يتجنى على تقاليد موروثة وإن كان في بعض مفردات التعبير حولها يبدو كمن يغالب الألم النفسي بابتسامة تغمر المحيا.
ويبقى أنني في الاستنتاج الأخير لهذه المذكرات الروائية أو الرواية المذكراتية أتصور أن محمد الشدّي هو كمن يشدو من دون أن يعرف السامعون من هو هذا الشادي الجالس وراء صخرة أو في حضن شجرة. وما الغضاضة في ذلك، فالعمل الإبداعي هو القضية.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب