رواية جزيرة الألوان – عمر حسين سراج
«جزيرة الألوان» عنوان يثوي فيه مؤلفه عمر حسين سراج كل ممكنات التعبير واحتمالات التفسير لعمل روائي يمت بصلةٍ إلى حساسية فنية ذات طابع تجريدي؛ يوحي بحساسية غامضة جاذبة تهدف إلى خلق عوالم مفارقة للواقع، وإعادة إنتاج لمواقف وأوضاع إنسانية محددة تتسم الكتابة داخلها بالثورة على مفهوم المحاكاة التقليدي وتوصيل خطاب إلى المتلقي في المحيط الثقافي العربي يؤهلهُ لقراءة فاعلة وتشاركية مع مُنتج النص.
في الوقائع، تبدو الجزيرة بمن عليها نسخة مصغرة لعالم عربي يجري نحو التغيير، أما بالنسبة لحساسية المبدع للنص المتوثبة للتجديد، فقد ظهرت بجلاء في كيفية تحويل الألوان إلى علامات دالة إلى أزمنة وأمكنة وأنظمة بعينها، فحاكم جزيرة الألوان “أصفر فاتح” العربي، والسيد “أخضر بحري” الأفريقي، و”أحمر الطوبي” و”زهرية” ذات الملامح المختلطة من أجناس وأعراق عدة، وغيرها من الشخصيات الروائية، يمكن أن تمثل رموزاً كلية ووقائعٍ مثالية لعددٍ كبيرٍ من القيادات العربية، من الذين يتظاهرون بمواقف تقدمية، ولكن باطنهم يفصح بعد مضي فترة من الزمن عن أفكار تباين هذه التقدمية، وشخصية حاكم جزيرة الألوان “أصفر فاتح” خير مثال للارتهان للغرب سياسياً واقتصادياً وحتى قانونياً من خلال التجارة العالمية وأدواتها، من هيئات دولية، ومنظمات محلية؛ سوف تضمن التبعية الأبدية لتلك الدول.
“… أعدكم منذ البداية بالعمل على النهوض بجزيرة الألوان لتلحق بمصاف الدول المتقدمة (…) توقف أصفر لوهلة ماراً ببصره على وجوه الحضور ثم قال مستطرداً: والآن يسعدني أن أعلن مفاجأة. أود منكم بعد نهاية اجتماعنا هذا، الخروج إلى الشرفة الكبيرة الملحقة بالقاعة، والنظر إلى بحر العرب، حيث ستلاحظون وجود منصة نفط بحرية قرب الشاطئ، وهي منصة مملوكة لإحدى الشركات الأزادية التي أعطيناها ترخيصاً بالتنقيب عن البترول، وفقاً لشروط خاصة ليس المجال الآن لمناقشتها” ليتبين لاحقاً أن القضية بالنسبة للحاكم وللدول الكبرى ليست في التغيير، بل في كيفية إدارة الأزمات المستجدة من جراء عملية التغيير هذه وعلى مختلف الصعد. وبهذا المعنى يقترب الروائي مما يحدث في عالمنا العربي اليوم؛ فانتهاء الرواية بخراب الجزيرة ومقتل الحاكم وانتشار الخراب والسرقة والنهب؛ يشير إلى قيمة أيديولوجية مهمة، تعد إطاراً مهماً لعرض وجهات النظر، ولعرض الأصوات الاجتماعية أو السياسية العديدة في شكل ينم عن التوافق حيناً والتباين حيناً آخر، فهي، وإن انتقدت ما يجري من أحداث واختلاف بين الأفرقاء، إلَّا أنها ما تزال تؤمن بمشروعية الحلم للجيل الجديد والبدء من نقطة الصفر. “تذكّر يا أحمر ثلاثاً توصي أبناءنا أن يتمسكوا بها: سيادة القانون والعلم والقوة”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب