رواية حتى لا تتيه في الحي – باتريك موديانو
جاء باتريك موديانو إلى العالم في الثلاثين من تموز 1945، يحمل أو تحمله نصوص تعكس ضياعا عاما وتردفه بضياع خاص تمثل في فقدانه لأخيه رودي في سن مبكرة وبعلاقة متوترة مع والده وحالة من التشرد النفسي والاجتماعي حاول حسب مفردات التحليل النفسي أن يشد عن طوقها بين طوايا نصوصه. فمنذ روايته الأولى الصادرة سنة 1968، “ساحة النجمة،” يحضر رودي عِلة للحكاية والعامل الأساس في رواياته التي تطرقت لمرحلة الطفولة. ومع قلة الإحالات إلى هذا الجانب المؤلم من حياته، فإن الروايات المتأخرة زمنيا من قبيل الأفق (2010) وعشب الليالي (2012) وحتى لا تتيه في الحي (2014) التي صدرت قبيل حصوله على وسام نوبل تحمل ندوب هذا الفقد الأول فيكون البطل في طفولته شخصا متوحدا يحيا تحت رحمة أشخاص كبار إما يعكرون صفو وجوده مثل جون بوسمانس الذي لا تربطه بوالديه سوى سجلات الحالة المدنية أو شخص تخلى عنه والداه وتؤرقه ذكريات الطفولة كما هو الحال بالنسبة لجون دراغان، بطل حتى لا تتيه في الحي. يحدث هذا اللقاء مرتين أو ثلاث. وكل مرة يحدث ذلك نجد أن صورة الابتزاز المادي هي الطاغية أو حالة من اللامبالاة والجفاء. نقرأ في رواية الأفق: “أخبرها بوسمان: “تصوري امرأة ورجلا في العقد الخامس من عمرهما. امرأة ذات شعر أحمر ونظرة حادة ورجل أسمر يبدو بمظهر رجل دين سابق. المرأة ذات الشعر الأحمر هي أمي، إذا ما صدقت سجلات الحالة المدنية.”1 وفي عشب الليالي ترخي هذه العلاقة المأزومة بظلالها على أجواء الرواية ليعود جون دراغان في رواية حتى لا تتيه في الحي ليثيرها مرة أخرى. نقرأ مثلا: “كان أبوه قد جاء ليبحث عنه في منزل فارغ، واستقلا قطار العودة إلى باريس. ماذا كانت تريد أن تقصد بـ “منزلك” على وجه التحديد؟ حري به أن ينقب في ذاكرته، فهو لا يملك أدنى ذكرى عما تدعوه اللغة المتداولة “منزله.” كان القطار قد وصل، باكرا جدا في الصباح، إلى محطة ليون. وبعد ذلك، عرف سنوات طويلة، لا نهاية لها، من الإقامة في المدرسة الداخلية.”
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب