رواية حلب (تراجيديا الحرية) – فوزية عرفات
حاولت أن أستعيد حجابي دون أن أفلح، كلما أمسكت بأطرافه لأحكمه حول شعري من جديد عاندتني الرياح معيدة سحبه عن رأسي بتحريض من الشياطين التي احتلت المدينة بعد سقوط مساجدها، لم يكن أحد من الهاربين مهتماً بهذه الحرب التي أشنها مع الرياح، فكل لاهٍ بنظرة الوداع الأخيرة لمدينة يستبيحها المجهول، وحدي من كنت أصر على احتشام لم يعد يجدي نفعاً أمام كل تلك الإباحية التي حملتها لنا الحرب، لم تعد يداي المصابتان بشظايا محاولة اغتيال (حرية) قادرتين على مواصلة ثورتها مع الهواء فانهزمت، كان حجابي آخر هزائمي في حلب وأول هدف للحرية تسجله في مرمى جسدي المستباح، أنهيت رقصتي مع المنديل الذي طار بعيداً من الشاحنة راجعاً أدراجه، شق طريقه بين الموتى برشاقة، هناك يريد أن يظل معلقاً على رفات المدينة والبيوت المهجورة والورود التي لم يتبق منها إلا هياكلها العظمية.
لقد كنت آخر الورود الحية في المدينة وها أنا أتحول في هذه الشاحنة التي كومونا فيها كالخراف إلى غصن يابس بشعر منفوش!
سافرة، هكذا غادرت حلب كالمساجد التي أسقطوا مآذنها، محطمة كالتاريخ المبتور من النصف وفارغة كالحقيبة التي أحمل فيها ساعة أبي وذاكرة شيطان يرتكب الكثير من الحماقات، هكذا أجبروا جسدي على الرحيل أما روحي فهي كمنديلي تفضل العوم في بركة متسخة بأشباح الذاكرة على الغرق في ترف منفى لا ذاكرة له، لذلك أفلتت مني هي الأخرى ولم أبذل جهداً لاسترجاعها!
لم تنجح ثورتنا لأننا كنّا نموت من أجل (الجنة) لا من أجل الوطن!
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب