رواية خرط القتاد – أحمد سالم خشان
إذا كان المعنى المعجمي لعبارة “خَرْطُ القَتَاد”، هو “الذي يُضرب للشيء الذي لا يُنال إلاّ بمشقّة” فإن اختيار الكاتب أحْمَد سالم خشّان عنواناً لروايته “خَرْطُ القَتَاد” يحمل الفكرة ذاتها؛ وله علاقة قوية بالنص، مما يعني أن الإنسان إذا أراد الاستمرار في الحياة فعليه إزالة الأشواك التي تعترض طريق حياته بيديه، وهذا هو حال شخوص هذه الرواية التي نبتت في بيت “أبٍ” أشبه بشجر القتاد الذي يحتمي بأشواكه الحادَّة، فيخشى الجميع أحد الاقتراب منه، لصعوبة خرط أشواكه التي هي كأمثال الإبر، والذي لا تأكله الإبل إلا في عام الجدب.
”خَرْطُ القَتَاد” رواية تحكي سيرة عائلة سورية اضطرت لترك البلاد في ثمانينيات القرن العشرين حين تفجرت أحداث مدينة حماة، ذروة الصدام بين قوات الأسد وجماعة الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك التاريخ أصبح للعائلة أوطان لا وطن واحد. فمن الأردن إلى الإمارات إلى البحرين وإلى الكويت محطات من العبور والإقامة المرحلية إلى ما شاء الله.. يرافقهم ذلك الشعور المسيطر باستمرار وجود الذات في غير محلها.
هي رحلة حياة ترويها عائشة ابنة العائلة التي ولدت في الإمارات وشعرت بانتماءها إليها كوطن: “أنتِ سورية؟! لا، أنا إماراتية”، وربما أراد الكاتب طرح إشكالية الهوية الهجينة أو الالتباس في الهوية في إطار رؤية نقدية، حيث تضحى الهوية على مسافة ما غير حسية، يختزل وجودها في لحظة استرجاع تأملي في الذاكرة فقط. إذ ثمة إلحاح في الرواية على دور رحلة “العبور”، مكانياً وأثرها على كل شخصية من شخصيات الرواية. الأب الصوفي المتدين الرافض لتغيُرات المجتمع الحديث، والأم التي تتنازل عن كبريائها لاحتواء العائلة، والجدة القاسية التي تُنهي وتأمر، والعمة رزان التي تبكي وطناً رحلت عنه قسراً خوفاً من سلطة بلادها، وزادت عليها أبوة غائبة عنها بعد زواج أبيها من امرأة أخرى إرضاءً لرغباته، والأخ عبدالله الذي ذهبت رياح الدولة الإسلامية بحياته حينما غادر أهله والتحق بما ظنه الجهاد في سبيل الله، ومحمد الذي ولد في الكويت والذي لم يستطع الزواج من حب حياته ”عائشة” وذنبه أنّه “بدون” لا هوية له… كل الزخم والطاقات والأحلام التي بناها هؤلاء وهم في خضم متاهاتهم تلاشت وذهبت أدراج الرياح، إنّه الخسران بكل ما للكلمة من معنى وانكسار للذات التي لم يتبق منها سوى لحظات عابرة صادرها الزمن… إنه “خَرْطُ القَتَادِ”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب