رواية دفاتر القرباط – خالد خليفة
على العتبة، أقف وأراقب الحائط المطروش بكلس أبيض. جدّتي تنهض من نومها، مجلّلة بهذه الرهبة التي أراها في عيون الآخرين، فأقترب منها. تحتجّ عائشة وتحاول أن تمسكني من يدي لتبعدني منها. تقول: «انهض فجدّتي تريد أن تفطر»، تشير لها أن تتركني، وعائشة تغمزني كي أنهض فلا أنهض.
أحبّ ألوان ثيابها ورائحة يديها وهي تمسك بشعري، وعينيها وهما تُفهمان أبي أن يكفّ عن عاداته السيّئة ويكبر ليصبح رجلًا مهابًا كجدّي أو في الأقلّ كأعمامي الذين رحلوا. أبي يجلس على العتبة ويحدّق في الفراغ. جدّتي لا تتكلّم إلّا قليلًا جدًّا. لا تخرج من غرفتها إلّا إلى مزار عنّاب الذي يعتقد الجميع أنّه الأب الكبير الذي استقرّ في هذه الأرض ومنح هذه السلالة شرعية الوجود.
جدّتي تروي الحكاية للمتحلّقين حولها. أحبّ النور المنبعث من يديها وأسمع الخرافات التي تروى عنها وأستمتع. كنت ذلك الذكر الذي يتهادى بذكورته، حاملًا هذا الإرث الكبير الذي بدأ يكبّلني وأنا أنسى رائحة البراري التي تفوح من مسامّي.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب