رواية سيتي سنتر (سوق البسطة) – أسامة كوكش
ثمة وعي نقدي مضاد غير خاضع لمنطق الانتماء والتصنيف يعيد ترتيب تراث الأمكنة بمحيط متقلب من البنى الفوقية والبنى التحتية نقرأهُ في رواية (سيتي سنتر “سوق البسطة”) للروائي السوري أسامة كوكش الذي يقدم لنا فيها صورة حيّة عن التغيير الذي يطال مراكز المدن العربية في الآونة الأخيرة، وأساليب عمل السلطات المحلية والزبائنية السياسية في استغلال مفهوم المدن الحضرية لتحقيق مصالح خاصة تنتج أثرياء جدد عبر ابتداع قوانين جديدة باسم المدنّية والتحديث والعصرنة تقضي على ما تبقى من تراث سكن طويلاً في الذاكرة الجماعية للناس والتحم بهويتهم الاجتماعية والثقافية.
تشكّل شخصية المساعد أول أبو غسان “الملك” الذي يترأس دورية الشرطة في المدينة الشخصية المحورية في الرواية، فهو الوسيط الأكبر فيها بين مختلف الفئات التي تمثل الشخصيات الروائية الأخرى، يشغل مركزاً قيادياً في قسم الشرطة، ويقود عناصره باتجاه مركز المدينة في هياج كبير، ينتج عنه فوضى ونهب وتقاسم للحصص، ولأن حكاية المدينة لا يُمكن اختصارها بشخصية واحدة، يورد الروائي لعشرات الشخصيات تختلف في مواقعها ومصالحها، ولكل شخصية منها حكايتها، عبد الله المأمون وأبو داغر وناجي وسجية وزيرو وغازي وأبو الخير وراغب السعدي وآخرون غيرهم من العاملون في سوق البسطة، رجالاً ونساءً وأطفالاً؛ ممن يقبعون في أسفل السلم الاجتماعي ولا يعنيهم المشروع الحيوي وشعار “مدينة العصر التاريخية” في شيء.
أما المستقبل فهو فكرة غامضة لا تعني شيئاً أيضاً، وكل ما يهم بالنسبة إلى هؤلاء هو اللحظة في زمن العبور هذا. وهكذا، يمسك الروائي بهذه الشخصيات ويجدلها كحبلٍ حول السلك الرئيس، وكم يبدو بارعاً في اللعب على الأسلاك والانتقال من واحد إلى آخر، بدقةٍ، فتتكامل بذلك الوقائع المتحركة مع الأماكن الثابتة. تساعده لغة عربية مزخرفة بالمحلية الشامية في السرد والوصف وكل ذلك يأتي وفقاً لرؤية فنية يمارسها الروائي بوعي وتصميم ومسؤولية لبلدٍ يشهد تحولات درامية في هذه الحقبة من التاريخ، ولتكون الرواية برمتها بحسب تعبير السارد “ما هذه إلا مجرد البداية لرواية ستطول…”
من أجواء الرواية نقرأ:”أخذ صمت الليل في السوق يصبح ثقيلاً، شيء مبهم يربض على الصدور يمنعها من التنفس، لم يكن أحد يعلم منبع الإحساس بهذا الثقل، هل هو نابع من نفوس الناس أم أنه حقيقة باتت إحدى صفات الليل هنا. المؤكد أن أهل السوق قد تغيروا، الأحاديث تدور همساً، لم تعد تسمع صيحات أو قهقهة تصدر من زاوية ما، يمزق صمت الليل أصوات أعيرة نارية باتت تسمع كل ليلة عدة مرات، بعضها من القرب بحيث يعتقد سامعها أن أحداً من أهل السوق هو من يطلقها”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب