رواية طريق الحوت – مروان الغفوري
«في ليالي العربية السعيدة كان كارستن نيبور يخرج إلى البريّة ويغني. سرعان ما كان البدو يهبون إليه ما إن يسمعوا الأغنية. كان يغني أغنية وحيدة كل ليلة، الأغنية نفسها حتى يغلبه النعاس فيعود إلى داره تاركاً البدو خلفه مأخوذين بأغنية لم يفهموا منها شيئاً. مع الأيام مات أصحاب نيبور، ونسي هو الأغنية، ولم يأتِ على ذكرها بعد ذلك. ربما كانت أغنية عن الأصحاب، أو عن الطريق، أو عن العودة.
كانت الأغنية الوحيدة التي استطاعت أن تجلب البدو كل ليلة وتسحرهم. بعد رحيل كارستن نيبور بحث البدو عن الأغنية في كل مكان. اختطفوا بعض التجار الأوروبيين القادمين لشراء البن وطلبوا منهم الغناء، ولما لم يجدوا الأغنية أوسعوهم ضرباً وتركوهم عرايا في البريّة. وذات مرة دخل أربعة من البدو إلى الميناء ومكثوا ليالٍ طويلة يتحسسون عن الأغنية، ولما لم يعثروا عليها عادوا إلى الصحراء. يقال أن سفينة نيبور لا تزال تمضي في البحار، لكنها لا تبعد كثيراً عن مياه العربية السعيدة حتـى لا تضل الطريق.
وفي الليالي القصيرة من السنة ترسو على شواطئ العربية السعيدة وينزل منها أحفاد نيبور ويرددون الأغنية نفسها بالقرب من قبور أجدادهم. أدرك البدو ذلك مع الأيام، وما إن تصير الليالي أقصر حتى يتركوا البرية وينزلوا في مكان غير بعيد عن مقبرة آل نيبور. هناك يكون بمقدورهم الاستماع إلى الأغنية ولا يعلم البدو حتى الآن ماذا تقول».
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب