رواية طريق اللؤلؤ – عبد الله خليفة
هذه نشوتي وحبي لبلدي، منذ زمنٍ طويل لم أفرح، حتى لو أن عبد الحسين إختفى، والدوارَ هُجرَ وأزيل، لكن ديرتي ما زالت شامخة.
غصنا كثيراً من أجل اللؤلؤ، فقدنَا أعضاءَنا وقلوبنا، وعدنا بتمراتٍ وماء.
نحن سلالة الغواصين لا نتعبُ من أجلِ المحارِ واللؤلؤ.
مضينا في البحار، تهنا، أسرَنَا الأعداءُ، ضعنا.
وحين عثرنا على لؤلؤةٍ كبيرةٍ خرمَ بعضُنا السفينةَ وغرقنا.
عبد الحسين يتجمد عند التلفزيون، يطالعُ الشاشاتَ العربيةَ منبهراً، هذه أريافُ تونس التي يعرفها، ساحاتٌ واسعةٌ لأشجارِ الزيتون، بيوتٌ صغيرةٌ حالُها كحالنا، لكنها أجمل بهذه الأشجار التي تبدو مثل نساءٍ أسطوريات، فنحن لم تبق لدينا أشجارٌ كثيرةٌ مثل هذه، عندنا نخيلٌ باقياتٌ وأشجارٌ خاليةٌ من الثمر. في تونس الأمر مختلفٌ، أراض لا تحد من الزيتون، الشجراتُ النسائيةُ ذاتُ الجدائل الخضراء والسوداء.
بناتُ تونس الجميلات يظهرن على الشاشة ويصرخن، ونساؤنا مخبآت، مستترات، وعائشة مغيبة، نائية، ممنوعة على عبد الحسين، وها هو البائع المتجول الذي صار شهيراً يتحولُإلى كتلةٍ من لهب!
عبد الحسين يقفزُ من على كرسيه! يَخرجُ من جلده، يَسحبُ الستارةَ عن النافذة، يفتحُ الزجاج، يعبُّ الهواء.
يتطلعُ إلى بيوتِ القرية الكثيفة الكثيرة؛ منازلٌ هشةٌ، عتيقةٌ، بعضُها مرمم، بعضُها ينحني مترنحاً، وبعضُها جديدٌ يزهو بعيداً، والدروبُ ضيقةٌ، وساحاتُ الفضاءِ القديمةِ الواسعة نشبتْ فوق حواجز، إنغرستْ فيها جلاميد، أو سُيّجتْ بأسلاك.
يريد عبد الحسين أن يشعل النارَ في روحه! كلُّ الأوراق التي بثها رعبُهُ وجنونُهُ مازالتْ في أدراجه. مضتْ في بريد، أخذها أبوهُ شهاب، سُلمتْ بأيدٍ عَرقة، لكنها ما رأتْ الحرية.
يرى البحرَ البشري يتدفقُ في شارع الحبيب بورقيبة، الناسُ تخرجُ من بين الصخورِ والأشجار، تُغرقُ الشوارعَ بأصواتِها وأنفاسِها، تملأُ الساحاتَ، حيث لا مكانَ لدراجةٍ أو مظلة، حيث داخلتْ الأجسامُ حتى ذابتْ وصارتْ نهراً.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب