قريبا
رواية عطر وألحان – نادين عجرم فتوحي
الحبّ قدَر العاشقين. ومنهما قسا وتجبّر وتلاطمت أمواجه، يبقى الوصال محطّته الأخيرة وملحه الوجوديّ. غريبُ أمر هذا الحبّ بقدره العجائبيّ، ومخزونه الإنسانيّ، الذي لا يهدأ بركانه، ولا تستكين نفوسه، إلاّ بقدرة قادر، هو أقرب إلى السماء منه إلى الأرض.لا يكتفي بالنّظرة الأولى، بل ينساب إلى جميع مفاصل العاشق، ويفتك به إلى حدِّ الانحلال، ويسلخ قلبه قبل معاقل روحه الدّفينة، إلى حدِّ الإدماء وإضاعة بوصلة التّعقّل والتّبصّر. قيل عنه إنّه إكسير الحياة ورطبها، وواجب وجودها. يأخذك إلى حيث لا تدري، وربّما أيضاً إلى حيث لا تريد. يأسر العاشق ويأتمره، يطحن أحاسيسه ويلهب مشاعره، إلى حدِّ نكران الذّات والخضوع الكلّيِّ إلى عبوديتّة وأصفادها الحريريّة والحديديّة معاً.
الحب في رواية «عطر وألحان» للروائية اللبنانية نادين عجرم فتّوحي هو القدريّة بأمِّ عينها. هو انتقال في الزمان والمكان، في الرّوح والجسد، في العتمة والضّوء، من كنف حجرة الوحدة إلى علّيّة الحياة المتجدّدة، المعطَّرة بالصّلاة. هو الصّدفة والقدر في آن، الحياة والموت على السّواء، العدالة والظّلامة في مسيرة الدّنيا.قدَرَان التقيا ليفترقا في المجهول. رجل يبحث عن امرأة، وامرأة بلا عنوان أضاعت هويّتها وكادت أن تضيِّع نفسها. رجل اعتقد أنَّ القدر عاد وأنصفهُ، وامرأة أنقذها الدّهر من غدراته، ليكتشفا معاً، ومهما طال الزّمن، أنَّ الحبّ حقيقة وله هويّة وقدر وعشّاقه.
أجمل ما في هذا الكتاب ليس فقط سرده القصصيّ والرّوائيّ، وصاحبته روائية بامتياز، تعرف أصول الحبكة وخوابيها وكيف تشُدُّكَ للغوص في شخصية أبطالها، إنما هذا السيناريو الّذي يدوِّن همسات عاشقين وما يختزنه حبهما من إرادة في التّواحد، في المصافحة والتسامح مع الماضي.تضعنا نادين عجرم فتّوحي أمام لوحة انطباعية ألوانها حروف من القلب ورسومها تحاكي هواجس حبيبيْن ومخلوقين توأميْن متيَّميْن.إننا أقرب إلى فيلم سينمائي أرادت له الكاتبة نهاية سعيدة على طريقة الدّراما في السينما الأميركية المعروفة بالـ happy ending.نهاية صوتها مدوٍّ وصرختها لها مفعول حبّة الخردل الإيمانية بأنَّ لا شيء أقوى من الحبّ إلاّ الحبّ نفسه بمباركة القدر أو غصباً عن أنفه.
من أجواء الرواية نقرأ: “وجدتُ نفسي مدمناً على رائحة وتمتمة انتظرتهما بعض الأمسيات.لم أدرك يوماً الحروف الّتي كانت تطرب سمعي./ لم أكن سوى تائهٍ بين عطر ونغم. / إنّها هي، صاحبة الرّائحة الغريبة. / لم أعِ شيئاً غير نغم صوتها المبحوح، ورائحة عطرها الغريبة. / من تراها تكون؟ / ولماذا أرتجف وأشعر بالخوف والفرح معاً؟ / لماذا في حضرة عطرها أترنّح بين الطفل والرّجل، بين الطّمأنينة والقلق، بين الضّعف والقوة..؟ من هي؟ / ومن أنا في حضرة عطرها؟ / هل أنا هي؟ / وهل هي أنا؟”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب