رواية عندما تستيقظ الرائحة – دنى غالي
“لكن ماذا لو طلبت منك أن تختاري موقفاً ما أو لحظة حدثت لك بعد وصولك الدنمارك، أو شخصاً جديداً تعرفت عليه هنا في كوبنهاجن مثلاً؟ تصمت قليلاً لتفكر. تكرر فرك كتفها، تمسج أعلى رقبتها، تمط شفتيها ثم تقول بصوت خافت: ستكون “مروى”. مروى البصري؟ أجل مروى البصري. نهضت مروى من مكانها وتوجهت إلى اللوحة الكبيرة المسنودة إلى الجدار في غرفتها. راحت تتحسس سطحها بيدها الملوثة بلون أخاله زيتياً. تبدو تعبة. تذكرت فجأة بأنها لم تحرص على أن تظهر لي بزيها الخاص الذي اعتادت أن تظهر به، كما هو مدرج. كنت قد جمعت ملاحظات هامشية صغيرة من الأوراق التي استلمتها ضمن الملف الخاص بها في البلدية. ترتدي منامة قطنية بدل القفطان المخملي الطويل، رأسها حاسر بدل العمامة، شعرها مجعد طويل فاحم اللون، لامع ملبد. تهيأ لي بأنها لم تأخذ حماماً منذ أسبوع. أعقاب سجائر في صحن على أرضية الغرفة وقطع ملابس هنا وهناك. صففت أوراقي في حضني فلم يكن هناك سطح فارغ في غرفتها أضع عليه أشيائي. تناولت معطفي من على سريرها. فكرت أن أؤجل موضوع سؤالي عن اللوحة التي كانت نصف منجزة. في اللوحة. في اللوحة تخطيط لامرأة تذكرني بنحت “أمام الماء” المرمري لـ”كاي نيلسن”، لكنها أضخم بكثير، تشبه إحدى نساء ديلاكروا المستريحات، بدينة عارية، لكن ضفائرها سوداء، متينة تنسدل على كتفين عريضين… تداخل الدخان ليكوّن حاجزاً كثيفاً بيني وبينها. كتبت لها الموعد المقبل على الكارت المطبوع عليه اسمي ورقم هاتفي وعنوان عيادتي. ناولتها إياه. سألتها إن كان الموعد مناسباً أشارت برأسها موافقة وعيناها ما تزالان في اللوحة. ودعتها ونزلت أتلمس طريقي وسط ظلمة سلّم البناية العتيقة. ارتحت للهواء البارد… في الطريق كنت أفكر بما يمكن أن أكون قد حصلت عليه بعد محادثة اليوم معها. مروى البصري تفضل أن تظهر لي عالمها السريالي. كانت تشك بأهمية الحديث. اختارت رموزاً أثيرة في حياتها للتحدث عنها. هي لا تجيد الدنماركية تماماً، استعانت بالإنكليزية قدر استطاعتها… ما زال هناك شيء من اللبس والتردد أيضاً بما يخص دور المحلل النفسي..”.
من عند مروى تبدأ حكاية تتوالد حكايات أبطالها أناس معذبون داخل الوطن وخارجه. تسرد دني غالي الحكايات من خلال شخصياتها التي تريد إيصال شيء ما، تريد البوح عن شيء ما، عن مكنونات تختزنها الأعماق الإنسانية التي تموج بالحب والكره والحيرة والأسى. تتناول الكاتبة كل ذلك من خلال أسلوب مفعم بالإحساس وبالمعاني التي تأخذ القارئ للتماهي معها وكأنه واحد من تلك الشخصيات.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب