رواية غورا – رابندرانات طاغور
يبحث كاتب الهند الكبير رابندرانات طاغور في روايته الطويلة «غورا»، والتي كتبها عام 1880 عن هوية أمّته الضائعة بين طوائف ومذاهب، والتي كانت تعاني في تلك الفترة من الجهل والتخلّف.
وتعكس شخصية بطل روايته المسمّاة بِاسمه «غورا»، ذلك الباحث عن وسائل ناجعة لرفع ثقل التقاليد الخاطئة عن كاهل المجتمع واللحاق بركب الأمم المتقدّمة.
يركّز طاغور في روايته التي ترجمتها الدكتورة ماري شهرستان في كتاب صدر مؤخّرا عن «الهيئة العامة السورية للكتاب»، وتقع في 630 صفحة من القطع الكبير، على التعصّب الديني، ويجعل بطلها «غورا» نموذجاً للإنسان المستنير الذي لا يرى فوارق بين أبناء الأمّة الواحدة طالما تجمعهم الهوية ذاتها. ويقول على لسان «غورا» في الرواية: الله خلق البشر مختلفين في أفكارهم وسلوكهم وقناعاتهم وتقاليدهم، ولدى الجميع عنصر أمتلكه أنا أيضاً، وهو ينتمي إلى الهند بمجموعها.
ويعتبر طاغور كما تقول المترجمة سليلاً لعائلة أسّست مذهب «براهمو ساماج» الذي ظهر كحركة إصلاح دينيّ، وهو في روايته ينتقد التعصب الذي وقعت فيه هذه الحركة وخروجها عن المقاصد التي قامت من أجلها، ويمثّل لهذا التعصب كما صوّره بروايته برفض زواج «لوليتا» البراهمية من «بينوى» الهندوسي واعتبار هذا الزواج فضيحة اجتماعية، لأن الزواج لن يتم وفق الطقوس الـ«براهمو ساماجية». وهذا الانغلاق الذي وصلت إليه حركة قام أباؤه بتأسيسها، يعتبره طاغور في روايته رأس حربة التخلف التي طعنت الجسد الهندي في كل أنحائه.
ويكشف طاغور كما جاء في مقدّمة المترجمة عبر حوارات أبطاله حالة التعصّب الطائفي والمذهبي التي كانت متفشية في الهند، خصوصاً التعصّب الذي عبّر عنه «كريشنادايا ل»، من شخصيات الرواية، وهو هندوسي تقليدي يعمل موظفاً إدارياً، والذي سعى إلى الوقوف في وجه محاولات «غورا» الإصلاحية، حتى أنه يمنعه من المشاركة في مراسم التطّهر الهندوسية لأنه من أصول إيرلندية، وكان «غورا» يجهل ذلك حتى نهاية الرواية، على رغم أنّ «كريشنادايا ل» وعائلته هم من تبنّوا «غورا» وربّوه وعلّموه حتى أصبح هندوسياً.
وبطل الرواية «غورا» الذي حصل على الرعاية والاهتمام من العائلة الهندوسية التي ربّته وحصل على تعليم عالٍ واكتسب شخصية قوية تتميّز بالصلابة، جعلته يقف ضد الاحتلال الانكليزي للهند، لأنه مقتنع بثوابت لا يحيد عنها قيد أنملة ولا يقبل أيّ مراوغات أو مهادنات فكرية، آراؤه قطعية ولكنه يملك الحجج المقنعة للدفاع عنها. إذ يقول في الرواية: هدفي ومرامي الهند، مهما وُجّه لها من انتقادات، لا أضع أيّ شخص فوقها لا أنت ولا أنا ولا أحد آخر. أرفض أن أقوم بأيّ حركة تبعدني عنها شعرة.
التجارب التي يعيشها «غورا» مع البسطاء في الأرياف، والعنف الذي يلاقونه من المحتل، والسجن الذي يتقاسمه معهم، كل ذلك يجعل منه زعيماً وطنياً. ويؤسّس حزباً يدعى «جمعية الوطنيين الهندوسيين»، لكنه يؤمن أنه لا يمكن لأحد في الهند متعدّدة المذاهب أن يفرض سلطة مذهبه على الآخرين وينتقد من يعتبر أن خلاص الإنسانية لن يكون إلا بدين معين يجب الانتماء إليه.
ويرافق «غورا» في الرواية صديقه الحميم «بينوى» الذي قاسمه اليتم وتأثر بآرائه ووجد الصداقة الحقيقية بعلاقته بـ«غورا» الذي درس معه في الجامعة ويخوض معه رحلته وتجاربه.
وفي الشخصيات النسائية، يقدّم طاغور «لوليتا» الشابة المتأثرة بتربية والدها «باريش شاندرا»، وهو الشخصية العاقلة والوقورة في الرواية والأب الحنون الذي يبدي انفتاحاً بالتعامل مع الطوائف الأخرى. لكن «لوليتا» ابنة الـ«براهمو ساماج» ترفض أن يغيّر «بينوى» الهندوسي التقليدي ديانته من أجل الزواج بها. فهي ترى أنّ علاقة الإنسان بمجتمعه ومعتقداته وديانته لا يمكن أن تقطع من أجل الارتباط بإنسان آخر.
في حين نجد الشابة «سوشاريتا» اليتيمة المستقلة مادياً والحرّة من ناحية الدين والرأي والسلوك، تعيش حالة صراع بين حبها لـ«غورا» والامتثال لرغبة خالتها «هاريمو هيني» الهندوسية المتعصّبة التي ترغب بتزويجها من قريب لها وترفض علاقة الحب التي تربطها بـ«غورا».
وتتوقف الرواية عند نقد التأليه الأعمى للعادات والتقاليد الذي كان يفرض سيطرته على المجتمع الهندي، ويسبّب له الشقاء الكبير، ويتناول الجدل الذي يدور بين الديانات على اختلافها وموقف المجتمع الهندي من الاستعمار البريطاني ومعوقات التفاعل الاجتماعي والسياسي بين الطوائف والمذاهب.
وينصبّ جزء كبير من الرواية على دور المرأة في المجتمع الهندي وتطوّرها، ويسخر من التمييز بين النساء والرجال على أسس مختلفة. ويقول طاغور في روايته: كلّما أبعدنا المرأة وحرمناها دورها في حياتنا ضعفت قدرتنا كإنسان.
وعلى رغم كلّ ما قدّمه طاغور في روايته والتي كانت صدى لأفكاره التي عبّر عنها «غورا»، إلّا أنّ هذا لم يجعل منها كتاباً فكرياً، فالشخصيات أخّاذة تحمل مشاعر مركّبة ومتناقضة. وأسلوب الرواية ممتع ومشوّق يقدّم صوراً عن الحبّ والصداقة التي تتجاوز حدود الطائفة والمذهب وتتقاطع حيواتها بشكل أسر في ما بينها في تلك البقعة الجغرافية المليئة بالتناقضات وهي بلاد البنغال.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب
لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا