قريبا

رواية قارئ جول فيرن – ألمودنا غراندس

تُعَدّ ألمودينا غراندي واحدة من أعمدة الأدب الإسباني المعاصر، وصوتًا أدبيًا ظل وفيًا لفكرة إعادة فتح جراح التاريخ الإسباني عبر السرد. نالت أعمالها حضورًا واسعًا داخل بلادها وخارجها، حتى اعتبرها النقاد من أهم من أرّخ للأثر النفسي والاجتماعي للحرب الأهلية الفرانكوية على الناس العاديين. تأتي روايتها “قارئ جول فيرن” بوصفها الجزء الثاني من سلسلتها الشهيرة “حلقات من حرب لا تنتهي” وهي سلسلة روائية ضخمة منفصلة.. جعلتها في مصاف الروائيين الكبار، إذ أعادت عبرها صياغة الذاكرة الجماعية بلغة أدبية آسرة.

تأخذنا الرواية إلى جنوب إسبانيا، إلى قرية صغيرة في الأندلس مطلع الخمسينيات، حيث يعيش الصبي “نينو”، ابن أحد الحرس المدني، حياة مزدوجة بين واقع قاسٍ يفرضه القمع السياسي، وعالم آخر يفتحه أمامه اكتشافه لكتب جول فيرن. ومن خلال صداقة غامضة تجمعه بـ “بيبي البرتغالي” الذي يسكن الطاحونة وحوله هالة من الأسرار، يبدأ نينو في الانتباه إلى ما لا يُقال في القرية: عن المقاتلين الذين ما زالوا في الجبال، وعن صمت الكبار المليء بالذعر والذاكرة. القراءة هنا ليست مجرد هواية، بل بوابة تسمح له بفهم نفسه والعالم من حوله، وتمنحه لغة جديدة لمساءلة واقعه المربك.

لغة غراندي متينة وممتدة، تمتاز بالثراء النفسي والبناء البطيء الذي يمنح القارئ فرصة ليتورط تمامًا في مصائر الشخصيات. تسرد تفاصيل العلاقة بين نينو والكتب بوصفها عملية ولادة ثانية: حين يقرأ مغامرات جول فيرن، لا يرى مجرد عوالم خيالية، بل يجد انعكاسًا لرحلته الشخصية بين الخوف والفضول. حتى المكتبة الصغيرة التي يكتشفها في الرواية تتحول إلى ملاذ، مكان تتفتح فيه الأسئلة حول الحرية والعدالة، وحيث تتحول الكتابة والقراءة إلى سلاحين رمزيين لمواجهة واقع خانق. بهذه الطبقات، ينجح النص في أن يكون رواية تربوية ونصًا تاريخيًا في آن معًا، حيث ينشأ الوعي الفردي على حافة الوعي الجماعي.

في نهاية المطاف، لا تبدو “قارئ جول فيرن” مجرد عمل عن طفولة في زمن الحرب، بل نصًا عن قوّة الأدب في مواجهة القمع، وعن قدرة الخيال على أن يمنح الناجين فرصة للبقاء. فهل يمكن لطفل عاش في ظل الديكتاتورية أن يجد في الكتب طريقًا لحريته؟ وهل يستطيع الأدب أن يكون ملاذًا يعيد ترميم ما أفسدته السياسة؟

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

لتحميل ومناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى