رواية كرسي – ديمة ونوس
“أهواك…أهواك…أهواك بلا أمل، وعيونك…وعيونك تبسم لي، وورودك تغريني بشهيات القبل. راح درغام يتمتم مع الايقاع، يخفض صوته في المقطع الذي لم يحفظ كلماته فيخرج صوته متلعثماً ومرتبكاً ثم يصدح عالياً كمطرب حقيقي في المقطع الذي يعرف جيداً ترتيب كلماته. في هذه اللحظة، فيروز كانت تغني، والشمس تتقيأ لونها البرتقالي، والأباجور الأزرق يزقزق مع نسمات تشرين، والستارة الكحلية تبتلع تلك النسمات فتنتفخ وتمتلىء ثم تنهمر وتتدلى، ودرغام يفكر. يرتشف القهوة ويزفر دخان الحمراء الطويلة ويفكر. كيف سيحتل الكرسي المحاذي لكرسي معاليه؟ كيف سيبادر ليجلس بالقرب منه، ليتنفس عطره، ليروي له أجمل النكات، ليضحكه، ليفوز بحصة من قلبه الكبير. لكن ماذا سيقول لزملائه؟ الكل يحلم بالجلوس بالقرب من معاليه، هذا أمر مؤكد. ولن يكون من اللائق أن يتشاجر درغام معهم ليفوز بذلك الكرسي، فهو أكبرهم سناً وأكثرهم وقاراً وأقدرهم على الجلوس بالقرب منه. خبرته تفوق خبرتهم الغضة، تجربته أغنى وأعمق. منذ أسابيع قليلة، في التاسع والعشرين من أيلول تحديداً، احتفل درغام بعيد ميلاده الخمسين. قامته القصيرة وجسده النحيل يجعلانه يبدة أصغر سناً. شعره المجعد المصبوغ يزيده شباباً.
وحدها التجاعيد، تملأ وجهه منذ ستوات، تشي بكبر السن….”
“أهواك فلي قلب بغرامك يلتهب، تدنيه فيقترب تقصيه فيكتئب، في الظلمة يغترب ويهدهده التعب فيذوب وينسكب كالمع من المقل…” لفظ درغام غيمة من الدخان واسترجع أفكاره وكرر أسئلته وشعر من جديد بعبء المهمة وبحجم المسؤولية التي تنتظه.اليوم هو اليوم الحاسم. إما ينال فرصته بعد ثلاثين عاماً من الصبر أو يغوص من جديد في رتابة أيامه وخساراته اليومية.
تحكي الرواية حكاية درغام ذاك الرجل الذي شهدت حياته منعطفات عدة توقف آخرها عند الكرسي الذي شكل لديه هاجساً جعله يعود بذكرياته الى الوراء. هو ابن الضيعة الذي بنى أحلاماً كبيرة في أن يكون له شأن كبير في هذه الحياة ولكن… تتوالى الأحداث مضمخة بذكريات الطفولة والشباب. طفولة شهدت مأساة بفقدان الأم ثم الأب. وشباب شهد أفول أحلام الشباب عند فورته على دروب السياسة والأحزاب.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب