قريبا

رواية كوني لي – ريتشارد فورد

يعيد الكاتب الأمريكي (ريتشارد فورد) في هذه الرواية تقديم صوته المميّز في تتبّع مصائر الأفراد العاديين، ليصوغ حكاية عن الحب والفقد وما يظلّ عالقًا في الذاكرة حين تتقاطع العاطفة مع هشاشة الإنسان. ينطلق النص من شخصية محورية تواجه اختبار العلاقة الإنسانية وقدرتها على البقاء وسط عالم يتبدّل بسرعة، حيث يتقدّم العمر وتثقل التجارب، وتصبح الحاجة إلى الحميمية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. في هذا السياق، تبدو الرواية كأنها محاولة لفهم العلاقة بين الرغبة في القرب والخوف من الفقد، بين توق الإنسان للحب ووعيه بزوال كل شيء.

تتشكل الرواية من مشاهد متتابعة يرويها (فورد) بدقة أسلوبه الواقعي الممزوج بسخرية لاذعة، حيث يرسم تفاصيل يوميات الشخصية بعمق إنساني يجعل القارئ يقترب منها حد التماهي. الأجواء التي يقدّمها مشبعة بتفاصيل الحياة الأمريكية الحديثة: البيوت، الطرق، الوجوه العابرة، والذكريات التي تستيقظ من الماضي لتفرض حضورها في الحاضر. النص لا يكتفي برصد تقلبات العاطفة، بل يتعمّق في رسم التناقض بين الداخل المفعم بالحساسية والخارج المتسم بالبرود والرتابة. ومن خلال هذا التناقض يتشكّل التوتر الدائم الذي يشدّ السرد ويمنحه حيوية خاصة.

لكن الرواية تتجاوز الحكاية الفردية لتغدو تأمّلًا في معنى الارتباط ذاته، في إمكانية أن نجد للوجود معنى من خلال الآخر، وفي الكيفية التي يظلّ فيها الحب رغم هشاشته أعظم ما يمكن أن يعيد تشكيل الحياة. هنا يكشف (فورد) عن مهارته في جعل التفاصيل اليومية مرآة لأفكار فلسفية أوسع: ماذا يبقى من العمر إن لم يبقَ فيه سوى الذكرى؟ وكيف يمكن للإنسان أن يستسلم للزوال وهو لم يزل يبحث عن لمسة أمان؟ في هذه الأسئلة يتبدّى عمق النص، ليغدو رواية عن الإنسان في جوهره، وعن حاجته الأبدية إلى الحب بوصفه آخر معاقل المعنى.

تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب

لتحميل ومناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا

كتب من نفس القسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى