رواية لا تنتحر داخل مكتبة – ولاء عودة أبو غندر
انحنت لتلتقط الكتاب ووقعت عيناها على صفحة حَوَت رسمة لرموز راقصة، فعرفت أنَّه كتاب (شرلوك هولمز)، وقبل أن تصل يدها إليه توقفت؛ راعها أنَّ الرموز بدأت تتحركُ وتهتزُّ هي الأخرى، أغمضت عينيها لوهلة من رعبٍ تملَّكها، شعرت به في برودة أطرافها فجأة. فتحت عينيها، كانت الرموز ثابتة في محلها فعلمت أنَّها واهمة بلا شك.
أغلقت الكتاب وأعادته إلى مكانه على عجل كأنَّ في داخلها شكًّا ما بأن ما رأته من هزٍّ ورقْص، اليوم، كان حقيقة؛ خشيت أن يعود فيتحرك من جديد، كما أنَّ عقلها الروائي شمَّر عن ساعديه وراح يحيك مزيدًا من الدراما والقصص، وعلى الفور بدأ يستعيد حكايات الجان والمكتبات الملعونة والمسكونة. ولكنَّها أخرسته، وضربت المكتبة بخفة وهي ترجو سقوطها فوقها علَّها تكْفيها عناء تناول تلك الأقراص! نعم أقراص، هذا ما اختارته ليكون سبيل عبورها إلى الجحيم، فهي تكره رؤية الدماء بعد كل شيء، والدماء هي السبب في تعاظُم هذه الرغبة داخلها حتى باتت ملحَّة ولا يمكنها إلا أن تستجيب لها.
رفعت كفها، كانت باردة مصفرة وتدعو إلى الرثاء، خلَّلت أصابعها في أطراف شعرها الذي ينتهي عند رقبتها، هو الوحيد الذي لم يؤذها ولم يعارضها يومًا، ولكن يبدو أنه كان مرغمًا وأن حقيقة صمته ومراعاته لها لم تكن إلا وليدة ضغط دكتاتوري قصت من خلاله كل أطراف مقاومته حتى صار على هذا النحو الرجولي على الدوام.
إذن كُلنا نمارس الدكتاتورية على كل من هم تحت سلطتنا، تبسَّمت ساخرة عند هذا الخاطر، ولكن في الحقيقة هي أيضًا أحبت هذا الشكل الذي اتخذته لشعرها، لقد كان يُذكرها بطفولتها التي قضتها وهي تمارس كل ألعاب الصبيان الخطرة، حتى والدها كان يُناديها باسم صبي ويقول في أحيان كثيرة: إن ولادتها كأنثى جاءت خطأً وأنَّها ابنه الثالث، كان يقول ذلك وهو يضحك. لاحت على شفتيها بسمة مشتاقة لتلك الأيام ثم اتسعت عيناها فجأة؛ لقد لمحت شيئًا كاد يسقط فوق رأسها ويُحطِّمه، لم يكن سوى كتاب آخر تمرَّد وتوسَّد الأرض! ما بال كتبي، اليوم، متمردة؟! هل التقطت آذانها لفظة الدكتاتور فقررت القيام بثورة ضدي؟ هل ستأمرني بالرحيل من هنا؟ أما كان عليها أن تكون أكثر شجاعة وتسقط كلها فوقي إذن؟! انحنت وهي تتمتم انزعاجًا؛ لتلتقطه ولكن.. هذه المرة رأت الحروف العربية تدور وتتحرك حتى شكَّلت حلقة راقصة! رفَّتْ أهدابها مرارًا غير مصدقة ما تراه، ازدرت ريقها بصعوبة وظنَّت أنَّها فقدت عقلها، ولكنَّ حلقة الرقص استمرت وتسارعت حتى لم تعد تُميز الحروف من بعضها، وفجأة أضاءت الحلقة ثم شعرت بقوة كبيرة تسحبها إلى داخلها.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب