رواية ما لم تمسسه النار – عبد الخالق الركابي
لم يكن ألماً ذلك الذي أحس به… لا لم يكن ألماً، بل كان سحقاً لكل وجوده. كان، وهو يرتج على الطاولة بكل جسده، يسمع صوتاً حيوانياً – أدهشه أنه صوته! – يملأ عليه سمعه أقرب ما يكون إلى عويل. كان يصرخ لا بفمه وحده، بل بكل كيانه. ما الذي يحصل ؟ أين هو على وجه التحديد؟ لم يحس، في اللحظة الأولى وقبل أن يسود الظلام، إلا ورأسه يشتعل بغتة كمن ضربته صاعقة تقلصت بسببها عضلاته كلها وكأن جسده تهدم إلى الداخل لتأخذه بعدها تشنجات مخيفة جعلت جسده يتقوس كأنه في سبيله إلى أن يثب عالياً لولا الملازم النربوط إلى رسغيه وكاحليه والتي شدته بإحكام إلى الطاولة.
حينما صحا أحس بأيد ترفعه عن الطاولة لتمدده على نقالة انطقلت به على وقع صرير عجلاتها المعدني لتدخل، بعد لحظات، إلى غرفة أخرى حيث الأيدي نفسها رفعته عنها لتضعه في سرير هذه المرة. وطوال تلك الرحلة القصيرة بين الغرفة و السرير كان يلمح وسط الفوضى المحيطة به إمرأة رافلة بملابس سود تهرول إلى جانبه مكلمة إياه بصوت هامس يقطر رقة وحناناً وهي تتطلع إليه بعينين تترقرق فيهما الدموع.
ترى من تكون هذه المرأة؟ سؤال خطر في ذهنه المشوش قبل أن يستغرق في نوم طويل لم يصح منه إلا والليل قد خيم؛ إذ إن مصابيح الغرفة كانت مضاءة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب