رواية متاهة إبليس – برهان شاوي
“متاهة إبليس” هي امتداد لرواية “متاهة الأشباح” التي هي بدورها امتداد للروايتين السابقتين“متاهة آدم” و “متاهة حواء” و “متاهة قابيل”، فتكون الخامسة حسب التسلسل الروائي و امتداد لتلك الحياة الجماعية و العالم حقيقي، المليئة بكوابيس السياسة،الخوف، العاطفة المكبوتة،الأشباح،الأرواح،الاعترافات،الشهوة،الجنس،الحب،و الرغبة الجامحة ، الخطيئة، الاغتصاب ،اللذة و الألم و تحطيم المقدّس.
وكما في متاهاته السابقة فأن الروائي يؤسس لزمنين أو أكثر تتوازى في تدفقهما و حتى بعد احتلال الأمريكان للعراق و إسقاط النظام الدموي الذي كان يهيمن على البلاد حينها، فتدمّرت البلاد التي كانت مدمّرة أساسا.
هي متاهة جديدة حقيقية حتى على مستوى البناء السردي والحبكة الروائية.
في هذه الرواية الجديدة “متاهة إبليس” يتبع الكاتب “برهان شاوي” مصير شخصيتين بطلتين من المتاهة الثالثة “متاهة قابيل”، و هما “حواء الكرخي” و “حواء ذو النورين” بعد أن هربتا من العراق إلى سوريا.و ما تواجهه كلّ منهما من مصير مجهول.
لكن و كالعادة في إبداعه اللامع في جميع متاهاته يواجه الإنسان و أعماقه الدفينة فيستحضر في هذه المتاهة شخصية “إبليس”..
نحن نعرف منذ القدم أن إبليس بشع و مشوه حسب الأساطير و التاريخ من الكتب المقدسة، لكن الكاتب المبدع”برهان شاوي” جسّده في هيئة رجل أشقر وسيم ، فيكشف من خلاله الكثير من الهذيانات الأسطورية الدينية و تناقضاتها..حيث يقول لآدم الشامي:”أنا إبليس أو الشيطان، سمّني ما شئت،أنا غير موجود؟..أنتم البشر تدعونني للحضور..فأتجسد كما تشاؤون و ترغبون..تفكرون بي بشكل سيء و قبيح فأحضر بشكل قبيح مرعب..تفكرون بي بشبق و رغبة آتي إليكم بشكل غاو فاتن..أنتم منحتموني قوة هائلة..و أديانكن كلها..بل حتى الأديان البدائية هي التي اخترعتني..خلقت أسطورتي..و برغم ذلك تؤكد بأني أغوي الإنسان..أدفعه لفعل ما يضرّ الإنسان نفسه و الإنسانية جمعاء..بل يضر الطبيعة أيضا..و أنني أغويكم فردا فردا في كل ثانية و كل دقيقة أثناء صحوكم..بل حتى في منامكم أكون موجودا، فأفجّر فيكم رغبات محرمة..أليس كذلك؟ أليس هذا ما تؤكده كتبكم المقدسة؟ و يعظ به علمائكم.. و قساوستكم..و حاخاماتكم؟..
و يزيد في حواره قائلا:” ألم تفكر لحظة أن هذا غير ممكن عقليا و منطقيا و علميا؟..كيف لي أن أكون في أعماق ستة مليارات إنسان في الوقت نفسه؟..ستة مليار إنسان ينتمون إلى مئات الدول، و آلاف اللغات، و مئات الألوف من اللهجات، و آلاف القوميات، و هؤلاء ينتشرون في مشارق الأرض و مغاربها..و أقوم بكل ما لديّ من موهبة في إغوائهم؟ أ أنا إله؟؟..أليس هو الواحد الأحد الذي يوجد في مشارق الأرض و مغاربها..أنّى اتّجهتم ترونه؟ فكيف تمنحونني هذه القدرة الإلهية أن أكون في مشارق الأرض و مغاربها في الوقت نفسه؟؟..”
و يقول و هو بهيئة الرجل الوسيم في الفندق للراهب:” اللذة و الألم..هما وجهان للشيء نفسه..هما سرّ الوجود الإنساني..لكن كلّ لذة يجب أن تدفع مقابلها ألما..فكلّما عظمت اللذة عظم الألم..لكنّ الغريب ليس دائما أن عظمة الألم تعني بالضرورة عظمة اللذة لاحقا..و برغم ذلك أعتقد أن اللذة التي تجنى بسهولة، تفقد قيمتها سريعا”..
في هذه المتاهة نكتشف طفولة حواء ذو النورين و هي ترويها لصديقتها إيفا سميث و ما عاشته من معاناة بسبب كره والدها لها.
كما و يساعد آدم الشامي حواء ذو النورين في الحصول على جواز سفر مزور لتخرج به من الشام بعد أن لحقتها جماعة زوجها قابيل العباسي بتحريض من إبليس لفعل الخير بدل الشر، فتسافر باسم مستعار فيقيم معها علاقة لتحصل المسكينة على جوازها و يكون هو من يوصلها إلى المطار لحين إقلاع الطائرة، فتنجو بأعجوبة و هي تصل إلى فلورنسا سالمة.
و في فجر ذلك اليوم المرعب بسبب الإنفجار في الفندق و الهجوم من طرف مجهولين يطلقون الرصاص على من كانوا في الفندق فتكون النتيجة مجزرة دامية تنتهي بآدم الشامي و هو يطلق النار على ابنه هابيل، فيصاب بالإنهيار و هو يكتشف الجثة لاحقا..
تلتقي حواء ذو النورين آدم بوناروتي العراقي الأصل فيقص ّ عليها ما صادفه في حياته التي تطارده ككابوس مرعب خاصة معاناته بعد زواجه و حكاية زوجته و ما عاشته في عائلتها و كيف توفيت في حادث مروع مع عشيقها و ذكر آدم كارثة الذي كان يغازل زوجته في مرحلة من مراحل حياته و هو نفسه الذي نصادفه في الفندق صدفة مع حواء الكرخي مع آدم أبو التنك و آدم الشبيبي..نستنتج هنا كيف تعلق آدم بوناروتي بحواء ذو النورين ليقص عليها مأساته الحقيقية مع أم زوجته التي حطمت حياته نهائيا. و تبقى المسكينة مرعوبة و هي ترى الرجل الوسيم أينما ذهبت.
ثم هناك إيفا سميث القادمة من فرنسا على جناح السرعة بسبب إقدام صديقتها حواء دمشقية على الإنتحار بعد أن وجدت نفسها حاملا من عشيقها بدلا من حبيبها و اعترافها الذي حيّر إيفا سميث بأنها تحب شخصين في آن واحد. كما هناك بعض التفاصيل عن حياة إيفا سميث مع الجار المسن آدم ميتران و هي تقصها على حواء ذو النورين.
يظهر آدم الشبيبي هاربا من العراق بعد موت صديقه المدير قابيل و قد كانوا يبحثون عنه هو الآخر..خاف من الموت ليتقي صديقته حواء الكرخي صدفة مرة ثانية.
دون نسيان آدم أبو التنك صديق حواء الكرخي الذي ساعدها في الحصول على منزل يأويها هي و الرضيع هابيل بعد أن نزلت في الفندق كما جاءها بمربية لهابيل.
يضيف العالم اللامرئي سحره هنا حيث تظهر الأشباح مرة أخرى، يزيد عددهن و لا يراهنّ أحد غير إيفا سميث ( شبح الراهبتين، حواء المؤمن،حواء الزاهد).
تنتهي المتاهة باغتيال حواء الكرخي على يد الرجلين المجهولين بمسدسات كاتمة للصوت قرب بيتها عائدة إليه و سفر حواء ذو النورين بمساعدة إيفا سميث إلى باريس في القطار السريع دون إخبار آدم بوناروتي، حيث كانتا جالستين في القطار في الدرجة الثانية، على مبعدة منهما و في نهاية العربية نفسها كان الرجل الأشقر الوسيم، يجلس في زاوية وحده لا أحد يشاركه في الجوار أو في المقاعد أمامه الكتاب المقدس بعهديه القديم و الجديد و كتاب القرآن الكريم.
“متاهة إبليس” فيها كشوفات نفيسة و جريئة لأعماق الإنسان و رغباته الدفينة و مواجهة صريحة معها، حيث يتداخل المرئي و اللامرئي، الواقعي و السحري..و إبليس الذي يتجسد في هيئة رجل أشقر وسيم ، ليكشف من خلاله الكثير من الهذيانات الأسطورية الذينية و تناقضاتها..المتاهة ترسم مشهدا مرعبا لواقع الإنسان المعاصر و ضياعه و لايقينه، حيث تنفتح نهاية هذه الرواية على متاهة جديدة.
تذكر أنك حملت هذه الرواية من موقع قهوة 8 غرب
لمناقشة الكتاب فى جروب قهوة 8 غرب اضغط هنا