قريبا
رواية ميدييا وأبناؤها – لودميلا أوليتسكايا
ظلت ميدييا مينديس (سينوبلي لقبها قبل الزواج) – إذا ما استثنينا أختها الصغرى ألكسندرا التي انتقلت إلى موسكو في أواخرالعشرينيات – آخر امرأة يونانية أصيلة في العائلة التي استوطنت في العصور القديمة شواطئ آرتميس التي تنتسب إلى هيلاس. وكانت أيضاً آخر شخص في العائلة حافَظَ على اللغة اليونانية تقريباً، تلك العائلة التي ذادت عن اليونانية الحديثة على مدى الألف عام نفسها التي تبعد فيها اليونانية القديمة عن هذه اللهجة البنطية من القرون الوسطى التي لم تبقَ محفوظةً إلا في المستعمرات التاوريسيَّة.
منذ زمن بعيد لم يكن لديها مَن يتكلم معها بهذه اللغة البالية والجهورية الرنانة، التي أنتجت معظم المصطلحات الفلسفية والدينية وحافظت على المعنى الحرفي والمعنى الأصلي للكلمات: حتى الآن بهذه اللغة يُسمى المِغسَل كاثارية، والنقل– ميتافوريسيس، والطاولة- ترابيزة. أما اليونانيون التاوريسيون، من أتراب ميدييا، فقد ماتوا أو هُجِّروا، في حين بقيت هي في شبه جزيرة القرم، كما تقول هي نفسها، برحمة من الله وفضل منه، لكن جزئياً بفضل لقب العائلة الإسباني الذي تركه لها زوجها الراحل، طبيب الأسنان اليهودي المرح، الرجل ذو العيوب الصغيرة لكن الملحوظة، والفضائل العظيمة ولكن الخفية بعمق. لقد ترمَّلَتْ منذ زمن بعيد، لكنها لم تتزوج مرة أخرى، وبقيت محافظة على الإخلاص لصورة الأرملة بارتداء الملابس السوداء التي لاءمتها وبدت جميلة فيها. خلال السنوات العشر الأولى كانت ملابسها كلها باللون الأسود لاغير، ثم خفَّفَت إلى بقع بيضاء خفيفة، أو نقط صغيرة، كل شيء باللون الأسود.
الشال الأسود يلف رأسها ليس على الطريقة الروسية ولا على الطريقة القروية، كانت تربطه بعقدتين طويلتين، إحداهما تمتد على الصدغ الأيمن. والطرَف الطويل للشال ذي الطيات الإغريقية العتيقة الصغيرة انسدلَ على الكتفين وغطى عنقها المجعد. كانت عيناها بنيتين صافيتين وجافتين، وبشرة وجهها الداكنة ذات تجاعيد صغيرة أيضاً.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب