رواية نيران توبقال – فيصل الأنصاري
منذُ أن كنتُ طِفْلًا أُسابقُ نَسَمَاتِ الهواءِ في طُرُقَاتِ (سِجِلْمَاسَة)، منذُ أن غادرتُ خوفي الصغير، وارتقيتُ أغصان شجرة السنديان الكبرى غرْبَ البلدة، وخلال رمْي شباكي المهترِئة على عُصفورٍ شاردِ الحواسِّ أنهكتْه ساعاتُ التقاطِ الرزق، كانت نَفْسِي تَدْفَعُني قُدُمًا، تَدْفَعُني لا لأُجرِّب حظِّي في الوصولِ إلى ما استقرَّ فيها، بل تَدْفَعُني لِجَنْي ثمارِ قناعاتِها المؤكَّدَة بالوصولِ قَطْعًا إلى ما أرادتْ.
لم تكن إحدى محطاتِ حياتي استثناءً من ذلك، حتى أثناء استقراري في مدرسة العطَّارين بـ(فاس)، وجلوسي لطلب العِلم إلى أن أصبحتُ ذاك التلميذَ الأبرزَ والألمعَ والأكثرَ نجابةً، التلميذ (ابن أبي محلي) الذي ذَاعَ صِيتُهُ في فاس وما حوْلها، التلميذ الذي اختاره الشيخ (الزعري) لِيُسَلِّمَه عَصَاه وبُرْنُسَه ونَعْلَه.
غريبٌ كيف تهيأتْ لي كلُّ تلك الأقدار خِلالَ ما تبقَّى من القرنِ السادسَ عشر، وغريبٌ أكثر كيف عَثَرتْ عليَّ (نافذة المصير) بعد ذلك لتمهِّد لي الطريقَ نحو أحلامي الكبرى.
الأحوالُ الربَّانيَّةُ تلوحُ في أُفُق الأيامِ من أمَامي، الكراماتُ لا تنفكُّ تَجْرِي على لساني، وأناملي، ومَوْطِئ قَدَمِي، ولا تَلْبَثُ الأقدارُ حتى تستجيبَ لما يخالجُ نَفْسِي.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب