رواية وثالثهما الموت – ياسمين ثابت
“بالرغم من ملابس الجيش التي تغطي جسدها واللثام الذي يخفي وجهها, بالرغم من قبضتها الثابتة في تصويب الرشَّاش وعدم ترددها, بالرغم من تماهيها في الجانب الذكري من القتال؛ شئ ما فيها جعلني أشعر بالراحة؛ ما تزال حية, ما تزال بخير, ما يزال هناك وقت لإنقاذها! اقتربت منها أجذبها للتراجع بعد أن صارت القذائف المضادة على مقربة ذراع منها, ما تزال تلك النظرة الشرسة مرتسمة على وجهها في كل من يحاول منعها من حقيقة وجودها, تعرفت عليّ وتعرفت عليها! لأول مرة أشعر أن هناك أحدُ في هذا العالم يشبهني؛ نبأ وأنا لم يعد لدينا عالم أو وطن نرجع اليه, نبأ وأنا فشلنا في كل شئ في حياتنا ماعدا القتال! إن كان هذا هو فقط ما يمكننا فعله في حياتنا يا نبأ فعلى الأقل لنفعله معًا! لا يا نبأ, بعد أن تجرعت الفقد حتى امتلأتُ؛ لم أعد أرغب مجددًا في أن أكون وحيدًا بعد اليوم!”
“زواج يوم مثل زواج دهر إن كان حقًا زواجًا، ساعات اقتنصت فيها السعادة، ربما لم تكن تلك السعادة من حقى، بما أدفع الآن ثمن سرقتها، هكذا شعرت وأنا ألمس الثقوب التى أحدثها الرصاص فى جسد الرجل الذى تكونتُ من ضلعه، هكذا كانت الصرخات تتلوى فى حلقى وأنا أحاول أن أمنطق المشهد الذي أراه، جثة رجل كان لى كل شئ، جثة حياتي أمامي، جثة وطنى، ليت قذيفة حولت جثته إلى غبار حتى لا أصدق أحدًا فى هذا العالم وأعيش على أمل أنه ما يزال حيًا فى مكان ما فى الهواء، عيناه مغمضتين، منذ ساعات كانتا مغمضتين من فرط الحياة وهو على فراش زفافنا، وها هما جفناه الآن ملتصقين للأبد، على حافة نعشه، أهكذا مجرد طرفة عين؟”.
في هذا الزمان حيثما يكون هناك اثنان يكون الموت دائما ثالثهما.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب