كتاب الالتفات إلى ألم الآخرين – سوزان سونتاغ
سوزان سونتاغ شخصية إشكالية بحق -بحسب ما توفره لنا مجموعة مواقفها السياسية طوال مسيرتها الثقافية منذ حقبة الستينيات. فهي، ومنذ البداية من خلال إعلائها للصوت الرافض لحرب الولايات المتحدة على فيتنام وزيارتها لهانوي أثناء اشتعال المعارك، وصولاً لحرب بلادها الأخيرة على العراق التي سجلت حيالها موقفاً رافضاً لمبدأ الحرب ذاتها، كانت ذات فاعلية وتأثير تجاه حرب التصفية العنصرية للصرب ضد البوسنة وسراييفو. فلقد أقامت في المدينة المحاصرة طوال ثلاث سنوات -تقريباً- حيث قامت بتقديم مسرحية صموئيل بيكيت الأشهر “في انتظار غودو” على مسرحها، رائية مع سكانها إلى أن حصار المدينة لا يحول دون حق الإنسان من الاستمتاع بفن المسرح.
غير أن ذلك لم يمنع عنها الانتقاد الجوهري بسبب مطالبتها لبلدها ولحلف الناتو التدخل في الحرب. فليس ثمة وجهاً واحداً فقط لذلك التدخل (وفق القصف والمذابح ورفع الحصار) بل يمثل وجه آخر مستقبلي وخطير، وهو مشروعية التدخل للدول والتحالفات الكبرى في مصائر البلدان الأصغر والأضعف -وإن بحجج إنسانية وذرائع أخلاقية.
يمكن اعتبار سوزان سونتاغ ضمن مجموعة النقد والرفض الأبرز داخل الولايات المتحدة لسياسة إدارتها الخارجية، وبذلك تتسق في معظم مواقفها مع الرمزين الأشد وضوحاً: إدوارد سعيد، ونعوم تشومسكي، غير أنها، مع ذلك اختلفت مع الأول في قبولها لجائزة القدس عام 2001 التي كان من بين أعضاء اللجنة المانحة الثلاثة شمعون بيريز، وقام بتقديمها رئيس بلدية المدينة المحتلة أولمرت، مما اضطر أحد الكتاب البوسنيين (آمييل الكالاي) لأن ينتقدها على ذلك، رغم إسباغ مجينته (سراييفو) لقب مواطنة شرف على سونتاغ محتجاً خطأ سياسياً وأخلاقياً. كما أن مطالبتها بالتدخل أثارت جملة اعتراضات أهمها جوهر الموقف الذي يحمله تشومسكي من هذه المسألة.
غير أن هذا ليس سوى أحد أبعاد هذه الشخصية، فسونتاغ واحدة من أهم الرموز الثقافية الأميركية خلال النصف الثاني من القرن الماضي حتى اليوم. فهي التي فتحت نوافذ الثقافة الأميركية على المعطى الثقافي الأوروبي ومدارسه وأغنتها، وذلك عبر مجموعة مقالات النقدية الآخذة بأسباب ومستجدات الثقافة الأوروبية ورموزها الفكرية والسينمائية والأدبية، بحيث باتت صلة الوصل في منتصف القرن. كما أنها صاحبة تجربة روائية وقصصية لافتة، وكذلك صانعة لأربعة أفلام ومسرحية، وروائية فذة لتأثير الصورة الفوتوغرافية في الحياة المعاصرة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب