كتاب الدرس الفلسفي في المدارس الدينية – عبد الجبار الرفاعي
كلُّ شيءٍ يخضع لمساءلة العقل ونقده وتمحيصه، العقل نفسه يخضع لمساءلة العقل، وتمحيص مفاهيمه، وغربلة أحكامه، وطريقة تعريفه لنفسه، وتفسيره لحقيقة معرفته، ومصادرها، وقيمتها. لا يضع الحدود للعقل إلا العقل، العقل يرسم حدودَه وما هو داخل في فضائه، ويتدخل ببيان حقيقة ما هو خارج حدوده. عندما يصمت العقل ويكفّ عن وظيفته، تدخل الروح والعاطفة في متاهات. العقل يريد ألا نستمع منه إلا إلى صوته الخاص، من دون أن تشوّش عليه وتربكه وتنهكه أصوات خارج حدوده. العقل يحكم بعدم إمكان أن يتخلص الإنسان من تأثيرٍ خفيّ لذاته وعواطفه ومشاعره والمحيط الذي يعيش فيه بشكلٍ تام.
إيقاع التقدّم المتسارع للذكاء الاصطناعي والروبوتات، والتكنولوجيات المتعدّدة التي تتحدث لغة الذكاء الاصطناعي وبرمجياته، والهندسة الجينية، ينتج حالة لايقين شاملة، تطول: القيمَ، والمعتقدات، والثقافات، والاقتصادات، والنظم السياسية، والسياسات المحلية والإقليمية، والعلاقات الدولية، والعلاقات الاجتماعية، وكل شيء في حاضر الإنسان ومستقبله.
كلّما تضخّم اللايقين واتسعت مدياته اتسعت الحاجة لحضور فاعل للعقل الفلسفي. الأسئلة الوجودية الكبرى، وأزمات العقل والروح والعاطفة ليست من اختصاص العلم، ولا تقع في فضاء المادة والتجربة. مَن ينسى الفلسفةَ تنساه أعيادُ التاريخ، الفلسفة لا تنتهي ولن تتوقف مادام الإنسان يندهش، ويفكّر، ويتساءل، ويشكّك، ويناقش، ويتحاور، ويختلف.
العلم يطرح على الفلسفة أسئلته ومشكلاته العويصة، وما يعجز عن اكتشاف طرق الخلاص منه في فضاء المادة والمحسوس والتجربة، الفلسفة لا سواها من يجيب عن ذلك.
هذا كتاب وُلد في سياق مخاضٍ طويل لكاتبه في دراسة الفلسفة وتدريسها لمدة طويلة تجاوزت الأربعة عقود من حياته. تمخّضت هذه الممارسة بتعليم الفلسفة عن رؤيةٍ تقدم للقارئ تقويما لواقع الدرس الفلسفي في الحوزة وآفاق انتظاره.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب