كتب السير والتراجم والمذكرات
كتاب الروائي ومدينته .. بطرسبورج دوستويفسكي – مجموعة من الباحثين
يبدو لنا حضور بطرسبورج في أعمال بوشكين وغوغول ودوستويفسكي وأندريه بيلي والكسندر بلوك أمراً طبيعياً وعادياً. فالأدب الذي كتبوه مشبع بروح هذه المدينة، بجمالها الأخاذ وفتنتها وجاذبيتها، بحيث يصعب ألا تنساب في إبداع من عرفها، سواء كان رساماً أم كاتباً أم شاعراً. إنها ليست مدينة ملهمة فحسب، وإنما هي كيان حي ينفرد كل من يعرفه بعلاقة خاصة به، علاقة فريدة لا تتكرر. والمدن كالبشر، لكل مدينة ” وجه “. لكن وجه بطرسبورج متنوع للغاية، قابلاً للتغير. أحياناً يبدو قريباً منك، مألوفاً لديك، وأحياناً غريب وعجيب: بطرسبورج مدينة متقلبة الأهواء، يتغير مزاجها في لحظة، يتوقف هذا أحياناً على الضوء أو على الشمس، فتارة تكون سماءها رائقة صافية، وتارة قاتمة عبوسة منفرة. ومثل كل كائن حي تتعرض بطرسبورج لظروف الدهر وأحكام الزمان، فتظهر عليها آثار الكبر والإحباط، وتنعكس عليها مشاعر الملل والإعياء. وأما البشر فيتعاملون معها تعاملهم مع بشر مثلهم. فالبعض يقع في هواها والبعض الآخر يراها كائناً غريباً خالياً من الروح. وبالنسبة لدوستويفسكي فبطرسبورج هي ” أكثر المدن في العالم تعمداً وتجريداً ” ويصف علاقته بها على لسان أبطاله قائلاً: ” .. إنه لبؤس مضاعف أن تعيش في بطرسبورج ” ، ” … إنها مدينة أشباه المجانين… من النادر أن يصادف المرء كل هذه التأثيرات الكئيبة والحادة والغريبة على روح الإنسان مثلما يصادفها في بطرسبورج… “