كتاب الزمان والسرد (الحبكة والسرد التاريخي) – بول ريكور
يشكل كتاب “الزمان والسرد” واحداً من أهم الأعمال الفلسفية التي صدرت في أواخر القرن العشرين، حتى لقد وصفه المنظر التاريخي هيدن وايت بأنه “أهم عملية تأليف بين النظرية الأدبية والنظرية التاريخية أنتجت في قرننا هذا”. وارتأى باحثون آخرون أنه يشكل قمة من قمم الفلسفة الغربية يضفي فيها ريكور دماً ولجماً على نظرية كانط في الخيال المنتج، ويعطي تطبيقياً سردياً لنظرية هيدغر في فهم الزمان الأنطولوجي.
يقع هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء، يرجع ريكور في الجزء الأول، الذي بين يدي القارئ، المفهوم الغربي عن علاقة الزمان بالسرد. وهو يقع في قسمين. يعني القسم الأول، وهو بعنوان “دائرة السرد والزمانية”، بمراجعة مفهوم القديس أوغسطين عن الزمان، الذي حاول فيه أن ينظر للزمان من خلال الأبدية، ولكنه وجد نفسه ينساق في البحث عن الزمن إلى البحث في حاضر ثلاثي الأبعاد، وهو ما يسميه بحاضر الماضي وحاضر الحاضر وحاضر المستقبل، في مقابل تنظير أرسطو للزمان في كتابه “فن الشعر”، الذي يكمن في قراره، في رأي ريكور، مفهوم عن الزمان بوصفه تتابعاً للأفعال السردية وتنظيماً لها. وهذا ما يشكل قوام مفهوم الزمان عند ريكور. غير أن أرسطو سرعان ما أهمل هذا المبحث، وأجل بحث الزمان إلى كتاب “الطبيعيات”، حيث انتقل مدار البحث من الخاصية الإنسانية في ترتيب الأحداث السردية إلى نوع الحركة الطبيعية في إطارها الكوني الكوزمولوجي. وفي الفصل الثالث عن ثالوث المحاكاة يقدم ريكور مراجعة نقدية مفهومي كانط وهيدغر عن الزمان، حيث ينظر كانط إليه لا بوصفه موجوداً تجريبياً، كما دأب على ذلك التراث الذي يمتد من أرسطو حتى نيوتن، بل بوصفه مخططاً لإدراك التصورات في الجهاز العقلي المجرد. فلا وجود للزمان في الخارج، بل هو مفهوم متعال في العقل الإنساني نفسه.
ومن ناحية أخرى، اعتبر هيدغر الزمان أفقاً لإدراك الوجود في العالم. وما دامت الآنية (الوجود هناك) لا تدرك ذاتها إلا بوصفها مقذوفة في العالم وبين الآخرين، فهي مقذوفة للوجود في الزمان، لا باعتباره ظاهرة طبيعية تحددها حركة الأفلاك، بل باعتباره منزعاً إنسانياً لاستشراف المستقبل الذي يتربص به الموت. وبالتالي فالزمان هو أفق هذا الوجود في العالم مفهوماً بوصفه اشتراعاً للإمكانيات البشرية التي تحاصرها المحدودية والنهائية.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب