كتاب السرقة من المسلمين (الساراسن) كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا – ديانا دارك
“السَّرقَة مِنَ السَّاراسِن” بعناية وقصد. لقد سَقطَتْ كلمةُ “ساراسِن” من الاستعمال اللغوي اليومي هذه الأيام، ولكنها كانت تُستخدَم في أوروبا العصور الوسطى كاصطلاحٍ تَحقيري لِوَصفِ المسلمين العرب الذين حارَبهم الصليبيون مئتَي سنة في شرق المتوسط بدءاً من 1095 في “حربهم المقدَّسة”. أكثر التفسيرات انتشاراً هو أنَّ أصلَ كلمة “ساراسِن” مِن المفرَدَة العربية “سَرَقَ أو سُرّاق”. أي أنَّ “السَّاراسِن” كانوا سُرَّاقاً ولُصوصَاً من وجهة النَّظَر الأوروبية، بغَضّ النَّظَر عن حقيقة أنّ الصليبيين قد نَهَبوا طريقَهم عبر أوروبا والقدس والقسطنطينية. ولهذا فإنَّ قَصْدَ العنوانِ هو التعبيرُ عن تناقُضٍ مُضاعَفٍ بأننا في الغرب “نَسرقُ” ممَّن اعتبرناهم لُصوصَاً وسُرَّاقَاً.
بهذه العبارات تَعكسُ ديانا دارك في كتابها “السَّرِقة مِن (الساراسن)” نَظرَة الأوروبيين المُستَعلِيَة إلى المسلمين العرب في شرق المتوسط، وفي إسبانيا وصقلية، وقالت إنها تَقصد بهذا العنوان إثارة سُخريَةٍ مُضاعَفَة لإحداث نوع من الصدمة عند القارئ، إذ كيف تكونُ السَّرقةُ مِنَ السَّارِقِين؟! خاصة وأنها تَتحدَّثُ بشكلٍ رئيسي عن العَمارة الدينية، وتلك الكاتدرائيات القوطية العظيمة في كافة أرجاء أوروبا! ثم تَضَعُ عنواناً فرعياً للكتابِ فيه مَزيدٌ من التَّحدي: كيفَ شَكَّلَتْ العَمارةُ الإسلامية أوروبا! وإذا ما أضفنا إليها تساؤلات مشروعة عن كيفية بِناء حضارات متتالية على إنجازات من سَبَقَها، وكيف دخلتْ إبداعات الشرق الأوسط إلى أوروبا تدريجياً وغيَّرت عمارة الغرب إلى الأبد بطرقٍ تمّ تجاوزها عَن قَصدٍ، أو أنها نُسِيَتْ بكلِّ بساطة.
هذا الكتاب الذي بُعث بعد حريقِ كاتدرائية نوتردام في باريس في 15 أبريل 2020 بتعبير المؤلفة، يساعد القارئ على رؤية الصورة الشاملة، وإدراك أنّ كثيراً من سِمات العَمارة الإسلامية قد تطورت من التراث البيزنطي الموجود قَبلها. كلّ شيء يُبنَى على ما سَبَقَهُ، ويَتأثَّر به، وعلى الرغم من أنَّ المؤرخين الأكاديميين يُحبُّونَ التَّركيزَ على فترة تاريخية معيَّنة أو غيرها وكأنها مُميَّزَة ومُنفَصِلَة، إلا أنَّ حقيقة التاريخ هي أنَّ كلَّ شيءٍ هو استمرار وتواصل ولا يَنشَأ شيءٌ مِن فَراغ. وهو مما يتطرق إليه الكتاب بشرح مُفَصَّلٍ يعبّر عن تأثير العمارة الإسلامية على العمارة القوطية في أوروبا، عبر الاحتكاك الثقافي الذي حدث أثناء الحروب الصليبية في شرق المتوسط. وقبل ذلك في حروب الاستعادة في إسبانيا وصقلية، كما تحيط بالكثير من التفاصيل المعمارية التي تميز العَمارة المسيحية القوطية في كاتدرائيات أوروبا وأبنيتها الشهيرة، وتسرد أدلة مهمة لإثبات وجهة نظرها.
انقَضَتْ أكثر من 700 سنة على آخر الحَملات الصليبية.
وعلى الرغم من الجَدَل اللانهائي حول إن كانت تَصرفاتُ جميع الأطراف السياسية التي انخَرَطَتْ في الصراعِ مُخطِئةَ أو صائِبةً، فلا يوجَد كثيرٌ من الجِدال حَول التَّبادل الثقافي الذي حَدَثَ بَين الفِرنجَة والإسبان والنورمانديين والبيزنطيين والأرمَن والأتراك والعرب وغيرهم. لم يدرك معظم الأوروبيين في العصور الوسطى مَدى عمق ذلك التأثير، وكيف أدى إلى الإزدهار الثقافي والمعماري الذي شوهِدَ في أوروبا في القرن الثاني عشر وحتى القرن السادس عشر.
وأخيراً ليس القَصدُ من هذا الكتاب إثارة نعراتْ أو تنافُس أو صراع بين الحضارات، وإنما هو دعوةٌ للتعارف وللتلاقي بين الشعوب والثقافات والحضارات وأنماط العمارة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب