كتاب الشخصية المحمدية – معروف الرصافي
يقول معروف الرصافي في مقدمة كتابه “الشخصية المحمدية” بأن أعظم رجل عرفه التاريخ، أحدث في البشر انقلاب عام في الدين والسياسة والاجتماع، وقد أوجد هذا الانقلاب بواسطة نهضة عربية المبتدأ عالمية المنتهى، بدلت مجرى الحياة الإنسانية وحولتها إلى ما هو أعلى مما كانت عليه قبلها حتى أن آثارها في قليل من الزمن عمت الشرق والغرب ولم تزل آثارها باقية إلى يومنا هذا وستبقى إلى ما شاء الله.
إن تلك الشخصية العظمى التي يمثلها شخص محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله في بني آدم قد اجتمع فيها من عناصر الكمال البشري ما لم يعرف التاريخ اجتماعه في أحد قبله: عزم لا يرده راد، وتفكير عميق الفوز بعيد المرمى، وخيال واسع قوي يكاد يقاوم الحقيقة بقوته، وطموح إلى العلى لا يعلو عليه طموح.
هذه من العناصر الأصلية التي تتكون منها شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، أضف إلى ذلك ما أوتيه من غزارة عقل وثقوب ذكاء؛ إلا أنه في هذه الناحية لا يفوق إلا المحيط الذي نشأ فيه والعنصر الذي هو منه، أي أن عقليته لا تتجاوز في تفوقها إلا العقلية العربية في زمانه وبيئته. ولئن جاز أن يعلو عليه عال في العقل والذكاء فلا يجوز ولن يجوز أن يفوقه أحد فيما أوتي من صبر وحزم، وهو مع ذلك بشر يتعاوره من أحوال البشر ما يتعاور كل إنسان. وإذا تمّ دحض ما جاء به الرواة من الأخبار الملفقة بما يكذبها من المعقول ومن آيات القرآن لم نرَ في حياته ما يخرق العادة ويخالف سنة الله، التي لا تقبل التبديل ولا التحويل، ويعني هنا بسنة الله نواميس الطبيعة، بل نرى حياته كلها لم تكن إلا طبق ما تقتضيه سنة الله في خلقه. وبما أنه بشر لا يخلو من معايب، لأن جلّ ما لا عيب فيه وعلا، فالعبارة تنصّ على أن الكمال المطلق هو لله وحده. على أن المعايب البشرية كلها لم تكن معايب، لذاتها بل لأمور اقتضتها المصلحة العامة في المجتمع، وإذا كان المرء عاملاً للمصلحة العامة فمعايبه التي تبدو في عمله لا تكون معايب، إذ يجوز أن تقتضي مصلحة العموم أن يعمل عملاً يكون عند الفرد معيباً والفرد لا حكم له في جنب العموم. ثم هي تختلف باختلاف مراتب الناس وقد قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب