كتاب العلم والإيديولوجيا بين الإطلاق والنسبية – حسين علي
راج الحديث عن حياد العلم وعدم انحيازه وكأنه يستهدف حقائق مطلقة مجردة ثابتة، وكأن العلم لا وطن له، وذهب أصحاب هذا الرأى إلى حد القول بأن الحقيقة العلمية تفرض نفسها على العقل فى أى مكان أو زمان، بقوة البرهان والمنطق وحدها، أى أن هذه الحقيقة بطبيعتها عالمية، ولا مجال للتفرقة القائمة على أسس قومية. فأصحاب الاتجاه الوضعى – مثلا – يرون أنه لابد للحقيقة العلمية أن تجئ مستقلة – بقدر المستطاع – عن قائلها، فلا يمازجها شئ من ميوله وأهوائه ونزعاته الذاتية وقيمه التى يقوم بها الأشياء من حيث خيرها أو شرها، وجمالها أو قبحها؛ وأن الوصول إلى الحقيقة العلمية هو غاية البحث العلمى، وأن الحقيقة العلمية قوامها ” الموضوعية “. والمقصود بالموضوعية التعامل مع موضوع البحث كما هو، أى فى استقلال عن آرائنا وعواطفنا . على الجانب الآخر يذهب بعض الباحثين إلى حد القول ب ” خرافة ” الموضوعية، وبأن هذا الانضباط المنهجى الصارم، وتلك الشخصية العلمية المتجردة هما مجرد ” نماذج مثالية ” لا توجد إلا فى كتب مناهج البحث فقط، إذ يتعذر وجودها فى واقع الممارسات الفعلية للبحث العلمى. فالباحث مهما زعم بأنه محايد وموضوعى لا يمكن أن ينكر أنه كإنسان مفكر يملك عالما خاصا من المعانى والرموز، أو يملك نسقا خاصات ينشئ داخله حقيقته الخاصة التى تتضمن وتستند إلى تحيزاته الفكرية والشخصية المميزة، والتى تجعله يرى العالم الخارجى بعيون غير محايدة أو بعيون مصبوغة بتلك التحيزات الخاصة. فالباحث لا يستطيع أن يزعم أنه يستقبل الواقع على شاشة بيضاء نقية من أية أفكار أو معتقدات مسبقة. إن أهمية هذا الكتاب – الذى بين يدى القارئ – إنما تكمن فى أنه أول كتاب بالعربية يعالج هذا الموضوع الذى يدور حول ما إذا كانت قضايا العلم نسبية أم مطلقة، وما إذا كانت أحكامه وقوانينه موضوعية أم مصبوغة بتحيزات خاصة وأيديولوجيات معينة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب