كتاب الفكر العربي وصراع الأضداد – محمد جابر الأنصاري
تشهد المنطقة العربية، في اللحظة التاريخية الراهنة، وبشكل لم يسبق له مثيل في تاريخها الحديث، مواجهة مصيرية، حادة ومتصاعدة، بين ما يعرف بـ”التيار الأصولي” وما يعرف بـ”التيار التحديثي”، أو ما إلى ذلك من تسميات وأوصاف متعددة تطلق على التيارين حسب النظرة إلى كل منهما، وذلك بعد أن انهارت أو أخفقت مختلف “الصيغ” و”المركبات” التوفيقية التي أقامتها تيارات فكرية وحركات سياسية سادت المنطقة منذ بدء مرحلة الاستقلال الوطني والتجمع القومي، منتصف القرن العشرين، ثم ما لبثت أن أخذت في التراجع والتقهقر تدريجاً في العقود الأخيرة، وعلى الأخص بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، مخلية الساحة للتيار “الأصولي” بصفة خاصة حيث تفككت وانحلت بفعل صراع النقائض القائمة مختلف الصيغ التوفيقية والوسطية التي طرحتها تلك التيارات والحركات بين الدين والقومية. بين التراث والمعاصرة، وبين الشريعة والعلمنة، وما إلى ذلك من تعارضات محتملة في الواقع العربي، وناجمة عن تعددياته المتشابكة. وإذ يستغرقنا اليوم هذا التواجه الحاد بين الأصولية والتحديثية، في قلق مصيري، فإن لنا من تجاربنا الفكرية في القديم والحديث ومن استجاباتنا السابقة لصراع الأضداد والمتعارضات في تراثنا الفكري، والتاريخي، بعيدة وقريبة، ما يمكن أن يلقي ضوءاً ويقدم دروساً وعبراً لمواجهة هذا الامتحان الكبير، بتجنب الأخطاء والعثرات الفكرية السابقة الاستفادة من ثمار التجربة وذلك ما يتناوله، تفصيلاً، هذا الكتاب بالتأريخ والعرض، والتحليل، والمقارنة والنقد، والاستخلاص.
فمن اللافت لنظر الدارس أن الفكر العربي الحديث لم ينشغل بقضية مثلما انشغل بالتوفيق بين ثنائيات العقل والإيمان، والعلم والدين، التراث والمعاصرة، الدين والقومية، القومية والقطرية، العدل والحرية، الرأسمالية والاشتراكية، الشرق والغرب… الخ ضمن هذه المقاربة يطرح الدكتور محمد جابر الأنصاري قضايا الفكر العربي-الإسلامي في القرن العشرين بجدلياته وانعطافاته الفاصلة ضمن رؤية شاملة لمشروع هذا الفكر التوفيقي من “احتواء” العلمانية والسلفية بصيغة النهضة القومية المتصالحة مع التراث والعصر، ثم تصدّع هذه التوفيقية بتجدد الصراع المحظور، بعد الهزيمة، بين نقيضيها: الأصولي والعلماني. كما نشهد اليوم مع رصد للاستجابات الخاصة بالفكر الشيعي، ورصد آخر لتحولات الفكر المسيحي العربي عن العلمانية المطلقة. وتنفتح طروحات الأنصاري في هذا الكتاب لقراءتين بين السياسي والفلسفي قراءة تبدأ بفصوله السياسية لتعدو بعدها إلى الجذور… وقراءة تبدأ بالجذور الفلسفية لتنتهي بالسياسة.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب