كتاب الكوجيطو المجروح (أسئلة الهوية في الفلسفة المعاصرة) – فتحي المسكيني
الهوية إختراع أخلاقي خطير طورته كل الثقافات، وبخاصة تلك التي لم تعد تمتلك أي كنز خلفي أو مخزون إحتياطي لنفسها غير حراسة الإنتماء بواسطة الذاكرة الممنوعة من التفكير، وليست حماية المقدسات غير العنوان العامي لها.
الأخلاق هي الكوجيطو المجروح الذي صار يتداوى بثقافة التأثيم، لأنه بات عاجزاص من الداخل عن أي نوع من التشريع الروحي الجديد لنفسه المقبلة، وليس كالخوف من الحرية حافزاً على “تهوية” المجتمع وتحويل مستقبله إلى إصلاح هووي لماضيه، كل هوية هي كوجيطو مجروح، مما يعني ملكة إنتماء تعطّل فيها العقل البشري وصارت جهازاً حاضراً للإستعمال العمومي من قبل سلطة أو طفيليات سياسية في ظل حالة اللا-دولة التي تمرّ بها العديد من المجتمعات المعاصرة، وليس من الصدفة أن ما هو مرئي من الإنسان لم يعد بديهياً.
ولذلك تميل الفلسفة إلى الإحتماء بتجارب المعنى حتى يظل وجودها ممكناً، ليس الأنا غير بقية غير مرئية من كينونة أجسادنا، وهذا الجانب اللامرئي من هوية الإنسان المعاصر هو ما يجعل الفينومينولوجيات ممكنة، ولكن من دون وعد فلسفي حقيقي، ما نحن سوى أشكال من الترجمة اللحمية لذواتنا، لكن الآخر يكون قد سبقنا في كل مرة، وربما لا تعدو أن تكون كينونتنا سوى حراثة الصمت التي تشير إليها بعبارة “أنا” دون مضمون واضح، هناك دوماً آخر ما ينبغي مراقبة ولادته من تصورنا لأنفسنا.
وهذه الأخرية اللحمية هي أفضل مثال على أن ترجمة أنفسنا هي عمل جسدي يعمل على تحرير اللامرئي الذي في صلبنا، ذلك يعني أنه لا توجد هوية جاهزة لأحد كل الهويات ليس فقط لها تاريخ، بل هي تاريخ إنفعالات غير ميسطر عليها، فتحولت إلى جهاز إنتماء بلا ماضٍ واضح، وقابل للإستعمال تحت الطلب، كل الهويات مصطنعة من لعبة بصرية من الإختلاف والتكرار الذي نسي نفسه، وانقلب إلى صورة جاهزة لأنفسنا.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب