كتاب المقدس وتأويل النص الديني في الفكر الغربي – عطية بن عطية
وضمن طائفة انتمائنا، سمعنا وما زلنا نسمع، تكلمنا وسوف نتكلم كثيرا، كتبنا وما نزال نكتب عن المقدس، لكن من يتفحص كلَّ ذلك بعين الناقد، لا يجد أثرا للمقدس، إنما هي مقولات تتخذ من مجالي المقدس مواضيع للنشر والتبليغ. كلها لا تمثل غير فهم محدود لانعكاس تلك التجليات في أعماق مرايا ذواتٍ، لا تفهم ذاتها إلا بتأويلها للنصوص التي تشكل هويتها. ولا يُؤَوَّلُ النَّصُ وإنما هي الذات تؤول نفسها، فترتسم الدائرة الهرمينوطيقية، كما يسميها بول ريكور. دائرة تنشأ بين النصوص المؤسِّسَة وبين طوائف الانتماء المؤَسَّسَة، طوائف التلقي والتأويل. ولا تنحصر النصوص المؤسِّسَةُ في الكتابات الدينية فقط، إنما تمتد أيضا لتشمل نصوص الوجود باعتبار الوجود مجلى المقدس وكلمة الله – كن فيكون – كما يقول روني غينون الذي استلهم الفكرة بعمقها من الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.
ولعل الذي لفت انتباهي إلى موضوع المقدس، مداخلة ألقاها في ملتقى بجامعة ستراسبورغ بفرنسا، الأستاذ جاكوب روغوزنسكي، حول التسامح الديني، كانت تتمحور حول «تحوُّل المقدس»، ولم يرق لي آنذاك بعض ما ذهب إليه، وراسلته بعدها ولا أعلم إلى اليوم هل بلغه ردي أم لا. المهم أنه كان يعتبر التحول صفة ملازمة للمقدس، أما أنا فكنت أرى أن المقدس لا يتحول لأن التحول صفة من صفات النسبي الذي لا ينفك عن بعده المادي، أما المقدس المطلق فإن من أخص صفاته الثبات وأما التقديس فهو الذي ينسحب من المقدس إلى شبه قداسات، ذواتنا هي من يصنعها ويضفي عليها ما يعتقد أنه قداسة. إذ بفعل الانتماء إلى طائفة المعتقد التي ننتمي إليها، تنمو في ذواتنا بذور الاعتقاد التي يغرسها فينا، ثم يحثو فوقها ركاما من المعارف والأفكار يستحيل أن تجاوز قبة سماء طائفة الانتماء، فإذا حاولت الذات أن تؤول – كما قال بول ريكور – فإنها لا تستطيع أن تؤول إلا ذاتها.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب