كتاب النحنحات – إبراهيم صموئيل
“كاد يصرخ ويولول منادياً “يا أمي…”، لكنه خاف! تذكر حدقتيه الجامدتين في محجريهما كمخلبي قط بري، ونظراته القاصمة، واحمرار وجهه الناري، ومنخريه النافثين مثل فوهتي بركان… فتكوم على نفسه وأخمد أنفاسه ذائباً في رعبه…
ثم خطر له أن يلتفت ليرجوه ألا يفعل، يتوسل إليه بكل ما يعتصره من فزع… لكن رائحة الخمر الكثيفة التي فاحت إليه للتو خدرت عزمه وأشعرته أن لا جدوى من خاطره، ثم راحت تعيد إلى ذاكرته هيئته ساعة يعود إلى البيت مخموراً، فاجراً، يرنحه الشراب والسهر.
“آه لو كانت أمي حية” رجا في قلبه وشد على جفنيه المطبقين كما لو كان يجهد في انتزاع رخام القبر عن جئة أمه، يعيدها إليه، ثم يحتمي بها -كما اعتاد أن يفعل في حياتها- كي تذهب معظم الصفعات والركلات هباء، أو تتلقاها أمه، وهي تخفيه خلفها، تحميه من سورته المجنونة، دون أن تئن أو تشكو، وكأن حماية ولدها غاية تهون عليها آلامها وتعطيها القدرة على تحمل المصائب والبلايا التي تحل عليها من زوجها.
أكانت أمه، إذن، تخمن حدوث ذلك، ولذا ما انفكت في حياتها توصية وتلح في أن يخبرها بكل ما يعرض عليه أو يحدث معه؟! أتراها كانت تحتاط في سرها فما برحت تحذره من أي شخص، قريب أو بعيد، وتصر على أن يلازمنها باستمرار، وخصوصاً في الليل حين يأوي إلى النوم؟!
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب