كتاب باب البحر – عبد الله خليفة
تأملْ وتألم، أدخلْ ترابكَ، أحملْ كفنك، هذه أرضك فلماذا لا تعطيها عمرك؟
هذه محرقتك التي عشتَ فيها، فأخطو في المصرفِ ثابتَ الخطى. وضعْ قلبكَ خارجاً.
الترابُ كان قبلك وبعدك، فأنثرْ رمادك، لا أحدَ سيدفنك، وأجلسْ على مقعدك، وأقطعْ الورقَ والورى.
الترابُ لا يساوي شيئاً في الكلمات بل في البيوت التي تستدين.
يتقدم الرجلُ محطماً. يتأملهُ ريشةً في مهبِ الريح، يفحُ في وجهه:
– كل ما رهنتَهُ لا يمكن أن يغطي مبلغَ السلفة.
– هذه طفلتي يا سيدي، فيها مرضٌ خبيثٌ في العظام، سوف أعطيكم بعد أن أعود من سفر العلاج. سوف أبيعُ سفينتي لكن ليس لدي وقت. سأرهنُّ حتى ابنتي الأخرى، أعطني وقتاً، أرجوك!
– هذا شيءٌ مريعٌ لكن لا أستطيعُ مساعدتك. أليس ثمة شيء لديك الآن ترهنه، أساورَ زوجة، أسنان ميتٍ ذهبية بشرط أن يكون حديث الوفاة؟
– ليس سوى جدتي العجوز.. لها أسنانٌ قوية، كانت من الجيلِ المعتقِ بالصبر.. رغم أكلِ التمر.
– دعْ الطابورَ الآن من فضلك!
حين أرممُ عظميَّ بهذا النبيذِ سأقولُ للطيورِ أنزلي وكُلي من حباتِ قلبي وعيوني.
جلستُ مع الشجر حتى نطقَ باسمي. يا أمي أيتها الأرضُ السخيةُ تمددتْ عروقي بكِ حتى أستوتْ أطفالاً ولوزاً يضجُّ.. بالدود، لا بالمودة!
يتقدمُ الكهل يحاول عبر عباءته أن يخفي مرضَ عظامه.
يندفعُ وجههُ إليه:
– يا سيد صرتَ تتهربُ من الديون لسنتين والفوائد تتراكم سيتم إسترجاع البيت.
العجوز يطالعهُ برعب، العباءةُ تحلقُ فوقه وهو على البلاط البارد.
بلادي الجميلة خطوتُ في عتبتكِ الأولى ثائراً، نثرتُ كلماتي في حقولكِ فما أورقتْ حتى عشباً يابساً، زرعتُ جراحي في كلِ مكان، توسدتُ الصخورَ في البراري، يا لكلماتي كم تقاسي!
سألقى بلادي يا حبيبتي لأحضنكِ. سأغادرُ كلَ المنافي والخزائن والمدائن لأجثو تحت ركبتيكِ الشفافتين كالشعر، والثمر الربيعي اليانع.
سأصرخُ في وجه..الذئاب.
الشاب يتقدم كالبلبل المبلول دهناً.
– أنتَ مطلوبٌ للتحقيق.
نثرتنا القيودُ في ربوع الأرض. سكنا الخرائبَ، أكلنا من عشب البرية القاحلة. نثرنا دمَنا على البلاطات الكريهة. كانت الجدرانُ تضجُ، من سمعنا؟!
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب