كتاب بذور وجذور – زكي نجيب محمود
أردت في فصول هذا الكتاب أن أتعمق حياتنا لأصل الى جذورها التي انبثق منها جذع تلك الحياة، ثم من الجذوع تفرعت الفروع وأورقت وأثمرت ثمارها؛ ثم لم أتوقف عند الجذور، بل مضيت في الحفر لأصل الى البذور الأولى التي فعلت فعلها في خباء التربة، حتى أخرجت الجذور؛ بيد أني في تلك العملية التحليلية، آثرت أن أصطنع فيما أكتبه، ذلك الأسلوب الذي دأبت على اصطناعه في كثير جداً مما كتبته خلال خمسة عقود من السنين أو ما يزيد قليلاً عن هذا العدد، وهو الأسلوب الذي تمتزج فيه ذات الكاتب وخبراته وآلامه وآماله، مع الأفكار التي يراد عرضها على الناس؛ ومثل هذا المزج هو إحدى سمات المقالة «الأدبية»، فللمقالة «الأدبية» سمات كثيرة أخرى، ليس هذا مكان عرضها تفصيلا، لكن حسبنا الآن أن نذكر منها هذه السمة الواحدة. لأنها قد تعين القارئ على تقويم ما يقرؤه في هذا الكتاب وفي غيره مما صدر لهذا الكاتب؛ على أن ما قد نشره هذا الكاتب في هذا الكتاب وفي كثير غيره؛ من فصول تبدو متفرقة في صورة «مقالات»؛ وهي في حقيقتها أجزاء من موقف واحد يستهدف هدفاً اساسياً واحداً؛ أقول بأن ما قد نشره الكاتب في هذا الكتاب ؛ تتفاوت في فصوله درجات المزج بين «ذات» وخبراتها. و «موضوع» وما يشتمل عليه من أفكار يراد عرضها؛ ومع هذا التفاوت تتفق الفصول كلها في حقيقة معينة؛ هي أنها «أفكار» عاشها الكاتب وعاناها، وكلها يدور حول تحليل حياتنا تحليلاً يردها الى بذورها وجذورها، لتنشأ فرصة أمام أبصار المبصرين أن ترى أين تكمن القوة وأين يكمن الضعف.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب