كتاب بيت – أحمد الحقيل
مجموعة قصصية مختلفة للروائي والقاص أحمد الحقيل، فيها من التجريب قدْر ما فيها من الأصالة، سواء من ناحية تقنيات الكتابة والبناء السردي، أو بعث الحياة في الشخصيات والإتيان بالتفاصيل الواقعية الصّعبة، أو حتى الذهاب بالخيال إلى التاريخ والمستقبل معًا والمجازفة ما وسعته الحِيلة.
يكتب لنا الحقيل في إحدى قصصه: “أعرف صامويل بيكيت شخصيًا. هو الرئيس التنفيذي لشركة إلكترونيات متقدمة يستقر فرع الشرق الأوسط منها في دبي. لا يصرُّ فقط على أنه ليس بيكيت، بل على أنّه لم يكن هنالك بيكيت أصلًا. وعمومًا لا يمكن تصديقهم، أعني الأموات، إنهم يكذبون كثيرًا، وأبعد الناس موتًا -أكثرهم موتًا– هم أكبر اللّا مصدَّقين. النعمان بن منذر مثلًا، يملك شركة هندسة معمارية ضخمة في طرابلس، ويصر على أن النعمان بن منذر خرافة تاريخية، لدرجة أنه افتتح مركز أبحاث مخصصًا لهذا الغرض أسماه حرفيًا (لم يكن هنالك النعمان بن منذر). إذا توظفت في ذلك المركز سيُكتب على كرتك “موظف في مركز لم يكن هنالك النعمان بن منذر.” جدتي أيضًا، توفيت ثلاث مرات حسبما أعلم، هي الآن مديرة محل نسائي لصيانة الجوالات في شارع التخصصي في الرياض، وتقول إنها لا تعرفني وإنها لم تنجب أبناء من قبل أصلًا، ولا فائدة من محاولة إقناعها. الأموات يكذبون، أو أنهم ينسون فعلًا”.
يكتب لنا أيضًا في قصة أخرى: “يأكل ويدخن وينطبع في فمه زنخٌ عفن، وهو يحدق في أنوار السيارات المزدحمة أمامه في الطريق المتوقف: أوجه السائقين المحايدة التي تختفي وراء شعاع الضوء، أصواتُ البواري والفرامل والمدينة التي تتفتّق في أعنف أوقات ذروتها الليلية، ويفكر أنه صار كبيرا في السن، ويُحسّ أنه فعلًا كبير في السن. تتصل عليه زوجته في وقت العشاء فيقول لها إنه سيتأخر. يدور بسيارته طوال الليل. يذهب إلى كل الأماكن التي لم يذهب لها منذ مدة طويلة، بعضها منذ أن كان مراهقا: الأزقة القديمة التي تلفظ العتمةَ وروائحَ الرثاثة والتهالك، السكك المليئة بآثار عجز وقلة حيلة وشيء من اللامبالاة. الشوارع تُترك أكثر مع مرور الوقت ولا يبقى فيها إلا أشخاص قليلون، أشخاص يرى فيهم انعكاسه بما يُشبه التواطؤ، يفعلون أي شيء لئلا يعودوا إلى بيوتهم”.
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب