كتاب حكايات السندباد – تقديم خالد بلقاسم
“… صرَّحَ السندبادُ البَحريّ بأنّ الشروعَ في السّفر انطلقَ أساساً، في البَدء، بَعْد إضاعَةِ إرْث الأب وبَيْع ما تبقّى منه، أو بتعبيره، بَعْدَ بَيْعِ جميع ما تَملكُ يَدُه. انطلاقُ السفر، بهذا المعنى، تمَّ، إذاً، بدافعِ الانفصالِ عن الأب وشَقِّ بدايةٍ جديدة، أي بدافعِ البَحْث عن الذات واختبار أقْصَى مُمْكِنها. لقد كانَ الانفصالُ، في تجربةِ السندباد البحريّ، حَيويّاً في بناءِ هُويّته.. انفصالٌ يتكشَّفُ مِنْ قراءةِ تماسِّ الحياة بالمَوت، ومِنْ تَماسّ الفَقْد بالامتلاك فيها، وتماسِّ التيه بالاستهداء في الدّرب الذي تشُقٌّهُ هذه الشخصيّةُ لحَياتها، على نَحْوٍ جعلَ تجربةَ السندباد حَدِّيَّةً؛ تُقيمُ في الحَدِّ الفاصل بَين طرَفيْن مُتقابليْن، وتَبْني مِن داخل هذا الحَدّ، الوَاصِلِ لا الفاصِل، مَعْنى خَصيباً للذات وللحَياة..
في هذه التجربة، ثمّةَ مَشهدٌ يَكادُ يكونُ ثابتاً، يتعلّقُ الأمرُ بالسندباد وَحيداً بلا رفيق، مُجرَّداً من كلِّ شيء، وبدُون متاع. مِن داخل هذا المشهدِ الذي يُقوّي دلالةَ الانفصال، تَبْدَأُ، في الغالب، مُغامَرةُ اختبار أقْصَى مُمْكِن الذات، على شفا المَوت. بُلوغُ الأقاصي، الذي تُرْسيهِ تجربةُ السندباد، يُفيدُ دَوماً أنّ الطريقَ إلى البَعيد القَصيِّ تيهٌ وفقدٌ، ويُفيدُ أنّ هذه الطريقَ إقامةٌ لا على حُدُودِ المَوت وحسب، بل اختبارٌ لأقسَى صِيَغه وأقْصاها. ذلك أنّ حكايةَ السفرات السّبْع تضمَّنَت تدرُّجاً في فَظاعةِ المَوت، كما لوْ أنّها كانَت تَرُومُ الإقناعَ باختبار الشخصيّةِ لكُلِّ أشكاله…”
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع قهوة 8 غرب